لا يمر يوم أو ليلة دون أن تشهد الأحياء الشعبية بالبيضاء، حالات من العنف و«عربدة» من قبل منحرفين غالبا ما يكونون تحت تأثير المخدرات أو الخمور.المثير في هذه الظاهرة أنها تتم بمباركة عائلة الجانح، والتي غالبا ما تشرعن سلوكه المنحرف، وتعتبره عملا بطوليا تتباهى به أمام الجيران.أغلب «المعربدين» مدمنو مخدرات وخمر، غادروا الدراسة في سن مبكرة، وساهم في عدوانيتهم أنهم عاطلون عن العمل، فيبقى متنفسهم الوحيد، لقاءات بالليل، لتعاطي المحظورات، والحديث عن بطولات وغزوات ضحاياها شباب من أحياء مجاورة، قبل أن يتحول الجمع إلى ملاسنات و فوضى وعراك. بمنطقة مولاي رشيد، انزوى خمسة شباب بمكان مظلم بالحي، غادروا الدراسة، ومنهم من قضى عقوبات حبسية. تناوبوا على تدخين لفافات من المخدرات، ثم شرعوا في احتساء قنينات من الخمر، وهم يتباهون بذلك تحت أنغام موسيقى رديئة، وبعد أن ثملوا، كان الحي على موعد مع «سهرة» من نوع خاص، بدأها أحدهم بالصراخ، دون أن يكترث أن الساعة تجاوزت منتصف الليل، وسكان الحي خلدوا إلى النوم استعداد ليوم أفضل.حاول أحد الجيران استعطاف المشاغبين للكف عن ضجيجهم، فكان الرد عبارة عن شتائم مشينة، بل حمل أحدهم حجرا ووجهها نحو نافذة الجار، الذي اضطر إلى إغلاقها والتزام الصمت خوفا من التعرض لمكروه.لم يكتف الشباب الخمسة بالصراخ وإحداث الضجيج، بل ظلوا يسبون ويشتمون الجميع بصوت عال بعبارات خادشة، لدرجة أن أحدهم أقسم أن لا ينام أحد بالحي، ليشرع في ضرب أبواب المنازل بالحجارة متحديا كل من يعترض طريقه.الليلة التي عاشها سكان هذا الحي بمولاي رشيد، تتكرر يوميا بالعديد من الأحياء الشعبية، غالبا ما يكون أبطالها أبناء الحي، كما هو الأمر بسيدي مومن بعمالة البرنوصي، عندما تفاجأ سكان بعربدة ابن الجيران، يبلغ 20 سنة، كان في حالة سكر طافح، وظل يعترض سبيل المارة، ولو كانوا من الجيران، ويشتمهم بعبارات نابية. لم يتقبل أحدهم الأمر، وحاول ردعه، ليفاجأ بوالدة الشاب المعربد تستعطفه لتركه لحاله، لأنه حسب قولها «مسكين سكران ما ديش عليه». استعطفت الأم ابنها ليكف عن الفوضى ، لكن دون جدوى، بل وصل به الأمر إلى شتمها أمام الجميع، ومع ذلك ظلت تتوسل إليه، قبل أن يتطوع أبناء الجيران ويدخلوه عنوة إلى المنزل.حالة هذه الأم ليست الوحيدة، بل هناك حالات لأمهات بل وحتى آباء، يحرضون أولادهم على الاعتداء على الآخرين، إذ يعتبرونه عملا بطوليا ويجلب لهم الهيبة والاحترام داخل الحي، بل يتباهون أنهم على استعداد لتقديم رشاو للشرطة في حال أي متابعة قضائية.يحكي ربيع، (38 سنة)، عامل، يتحدر من الحي المحمدي، واقعة مثيرة عاش فصولها مع جانح من حيه، كان تحت تأثير الأقراص المهلوسة، اعترض طريقه أثناء عودته من العمل، وسلبه تحت التهديد بالسلاح الأبيض هاتفه المحمول، فتوجه إلى منزل المتهم وهدد والدته بمتابعته قضائيا إن لم يحضر له هاتفه المحمول، فكان الجواب «جري طوالك، ولدي غادي نفاسرها عليه فلوس أو غادي إخرج».بعيدا عن الحي المحمدي، يتذكر عبد الرحمن صاحب مصبنة، يتحدر من منطقة سوس، واقعة تعرضه لاعتداء من قبل زبونة، إذ بعد أن احتدم النقاش بينهما، صفعته أمام باقي الزبناء، قبل أن تطلب الدعم من ابنها، المشهور في الحي بعدوانيته المفرطة.يحكي عبد الرحمن، أنه لم يكترث للأمر في البداية واعتبرها مجرد غضبة عابرة، سيما أن بعض الزبناء كانوا يتوسلون إليها كي تنهي الخلاف وتعود إلى منزلها، لكنها كما يقول عبد الرحمن «طلعات الجبل»، بل صارت تهدده «اليوم ولدي غادي ادخل على قبلك للحبس»، فشعر بالخوف، خصوصا عندما حضر ابنها وشرع في تكسير زجاج المصبنة، ومحاولة الاعتداء عليه لولا تدخل سكان الحي.مصطفى لطفي