الرأسمـال الأخلاقـي إلـى زوال

أبلال: العنف في الملاعب والشارع وفي كل المؤسسات تعبير عن الحيف والظلم الاجتماعيين يرى، عياد أبلال، باحث في علم الاجتماع وأنثربولوجيا الثقافة، أن تحليل السلوكات العنيفة، لا يستقيم إلا باستحضار نسق الثقافة، باعتباره نسقاً مغذيا للعنف. ويذهب في حوار مع الصباح إلى أن النظام السياسي باعتباره نظاما للريع و المحسوبية والزبونية، ينتج اللا مساواة، كما ينتج الحيف والحكرة. كما يعتبر أن الأسرة هي المفتاح، لأن العنف يبدأ منها... < تغيرت سلوكات المغاربة وأصبحت تظهر عدوانية زائدة في تصرفات البعض، سواء بالشارع العام أو في الطرقات، ما هو تحليلكم لهذا السلوك؟< يعتبر العنف تصريفا ماديا منحرفا لطاقة الليبدو، بمعنى أن كل إنسان هو شحنة من الطاقة الحيوية، التي يجب تصريفها بشكل إيجابي، لكن عدم قدرة الإنسان على تصريف بما يخدم مجتمعه ومحيطه، ويلبي رغبة داخلية لديه بالاعتراف والإنصاف والاستحقاق، تجعله يميل نحو إتيان السلوك المنحرف بمختلف تجلياته. من هنا وجب استحضار نسق الشخصية باعتباره نسقاً مركزياً في التحليل السوسيولوجي للظاهرة. فارتفاع حدة العنف مرده إلى خلل وظيفي في أداء نسق الشخصية، والنسق الاجتماعي، إذ أن قيم الكرامة والاستحقاق والمساواة والحب والاعتراف ...إلخ، كلها أصبحت قيماً فاقدة للمعنى، وفاقدة لمفهوم التثمين. وكلما انخفض الرأسمال الرمزي الأخلاقي، ارتفعت نسب العنف، والجرائم، وهو ما يشهد عليه الواقع المغربي، الذي بات مجتمعاً مادياً استهلاكياً بالدرجة الأولى، حيث المال قيمة القيم. < إذن الاخلاق تلعب دورا مهما بالنسبة إلى هذا المستوى من التحليل؟< لا يستقيم التحليل إلا باستحضار نسق الثقافة، باعتباره نسقاً مغذيا للعنف. فالنظام السياسي باعتباره نظاما للريع و المحسوبية والزبونية، نظام ينتج اللا مساواة، كما ينتج الحيف والحكرة. وهنا تعمل الحكرة على تفجير تلك الطاقة التي من المفروض أن تجد الفضاء والمناخ المناسبين لتنتج إبداعاً وجمالا وقيماً اجتماعية بنائية وظيفية. لكن ما يقع أن رد فعل نسق الشخصية يكون عنيفاً حينما تنفجر هذه الطاقة بشكل سلبي. فالعنف في الملاعب والشارع وفي كل المؤسسات، هو تعبير عن الخلل الوظيفي في أداء هذه الأنساق، و تعبير عن الحيف والظلم الاجتماعيين. < انتقلت العدوانية إلى الأحياء وباتت الشجارات سيدة الموقف، كما أن الصغار بدورهم دخلوا في دوامة هذه العصبية، هل هذا راجع إلى التنشئة الاجتماعية أم إلى أشياء أخرى؟< الحقيقة أن التحليل السوسيولوجي والأنثربولوجي يجب أن يصل إلى منتهاه بالوقوف على مصدر العنف المادي والرمزي بتعبير بيير بورديو. وهنا تكون الدولة، حينما تعمل على تهميش دور الأسرة من خلال تهميش دور الأب وقهره مادياً من خلال تدني مستوى الأجور، وغياب الحقوق المدنية، والتهميش المجالي والحقوقي، فإن ذلك كله يكون سبباً في فشل الأسرة في أداء دورها الوظيفي. فماذا ننتظر من دور الصفيح وأحزمة الفقر المحيطة بالمدن أن تنتج؟ غير أسر مفككة تنتج العنف شكلا من أشكال التعاطي المادي الخشن مع واقع أعنف وأخشن. < رأينا العديد من الأحداث التي أصبحت تميز ملاعبنا الكروية، إذ انتقلت عدوى العصبية الزائدة إلى الملاعب وبين الجمهور، رغم أن الرياضة في الأساس مدرسة لتعلم الأخلاق والتسامح، كيف تنظرون إلى هذا الواقع؟< إن الجواب عن هذا السؤال يشرح بشكل كبير ما قلناه سابقاً. يعني حينما تفشل في تحقيق التنمية البشرية المنشودة، وتفشل في تحقيق مجتمع الكرامة، والحرية والحق. فهذا يعني أن الشعب لن يكون سوى رعايا لم يصلوا بعض إلى مرتبة المواطنة. هنا يصبح الحق في اللعب والتربية والصحة النفسية والجسدية، الحق في الرياضة...الخ من الحقوق الأولية مجرد شعارات، يعني حينما نفتقد إلى ملاعب القرب، وملاعب الأحياء، وملاعب المدارس. فأين سيفجر الأطفال والشباب تلك الطاقة. وكيف يمكن أن نوظفها في الإبداع والخلق والتنمية؟ لذلك فسرعان ما تنفجر هذه الطاقة في سلوكات مرضية، وهي سلوكات تأتي وتعيش مع الطفل في كل أطواره بدءاً من الأسرة . < ما ذا عن العنف الأسري بدوره أصبح مسيطرا، بل العديد من القضايا المطروحة أمام المحاكم تترجم هذا الواقع؟< تأسيساً على ما سبق، يصبح العنف الأسري الناتج عن عنف الدولة والنظام السياسي مولداً ومنتجاً للعنف الاجتماعي، فالزواج بالقاصر، والعنف الزوجي، وغياب الوعي الأسري بالمسؤولية التربوية، وعدم قدرة الأب على تلبية طلبات وحاجيات أبنائه وزوجته، ... الخ يقود إلى العنف الأسري. فكيف لمن تربى في ظل هذا العنف بكل أشكاله أن يكون سوياً مواطناً كامل المواطنة، ومدنيا حضاريا في سلوكاته؟أعطيك مثالا بسيطا، الظواهر التي يعرضهما التلفزيون المغربي تكفي لنعرف أن الأسرة المغربية باتت تنتج كل أشكال السوسيو باتية والسيكوباتية، كحالات وظواهر مرضية. أبسطها العنف الأسري. وطبعا وراء كل هذه الظواهر هناك مسؤولية الدولة والنظام السياسي. < ما السبيل إلى القطع مع العنف والعدوانية الزائدة، وهل ثمة من وصفات مجتمعية لتجاوز هذه العادات السيئة؟< طبعاً في غياب الديموقراطية، ودولة الحق والقانون، لا يمكن الحديث عن العلاج، ولا عن الوقاية. ولكن، مثلما يبدأ العنف من الأسرة باعتبارها الحاضنة، فيمكن للعلاج أن يبدأ كذلك منها، وهنا وجب على الإعلام السمعي البصري، والمؤسسات الاجتماعية والثقافية أن تقوم بدورها في التربية على السلوك المدني والحضاري، وأن تكون في حجم التحديات والرهانات الكبرى للمجتمع في صناعة جيل الغد. لكن حينما ترى أن الدولة متخصصة في العنف المادي والرمزي، فلا يمكن الحديث إلا عن الارتفاع بمتوالية هندسية للعنف.أجرى الحوار: المصطفى صفر

الرأسمـال الأخلاقـي إلـى زوال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السياسيون... الأمزجة المتقلبة

الأحياء الشعبية ... العنتريات الليلية

مقالات ذات صلة