أسرار “ألف ليلة وليلة”

مضرب أمثال المتعة والعربدة وأعظم ملحمة أدبية ناطقة بلسان العرب لليونانيين مدينتهم السياسية الفاضلة في "جمهورية أفلاطون"، وللأوربيين دولتهم المثالية التي وعدهم بها طوماس مور في عوالم اليوتوبيا، وللعرب أيضا مدينتهم المثالية غير الفاضلة في ألف ليلة وليلة. هي مدينة مثالية لأنها مضرب لأمثال الرفاهية والمتعة والعربدة الصاخبة وقمة "النشوة الليبرالية"، وهي غير فاضلة بالمرة لأن عمادها الفسق والمجون والفجور ومشتقاتها... هذه هي ألف ليلة وليلة في عرف العرب إلى درجة أن الناس إذا ما أرادوا الحديث عن عطلة مثالية مثلا بذخا وسهرا ومتعة قالوا إنهم قضوا عطلة كأنها من "ألف ليلة و ليلة"، وصار مجرد النطق بهذه العبارة شهادة على سوء السيرة والسلوك...هذا الكلام يفهمه جيدا من غاص في حكايات شهرزاد، وقرأ المجلدات التي خصصها الناشرون لسرد محكيات سوريالية عن مغامرات لا تنتهي. ف"ألف ليلة وليلة" هي أشهر مجموعة من القصص الشعبية (تربو على المائتين) لأنها ترجمت إلى كل لغات الدنيا تقريبا، ولا يكاد يوجد شعب فوق البسيطة لم يسمع عنها، ويعرفها كل إنسي يدب فوق هذه الأرض الماجنة، كما أنها من أقدم الأدبيات القصصية المكتوبة في التاريخ... والأدهى من هذا وذاك أن لا أحد يعلم على وجه التحديد هوية من ألفها، أو من ألفوها تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى العديد من المآثر الإنسانية أو المحكيات الشعرية التي اشتهرت في إنجلترا باسم (the ballads). وكل ما استطاع المؤرخون الأدبيون استيضاحه من خلال البحث المستفيض في هذا الصدد هو بداية تاريخ التأليف في حدود القرنين الثالث عشر أو الرابع عشر الميلاديين، أما مصادر القصص فهي متنوعة، منها ما يعود أصله إلى الثقافة الفارسية، ومنها من يمت إلى الأدب الهندي بصلات وثيقة، ومنها ما يقع ضمن جنس "أخبار العرب"."ألف ليلة وليلة" لم تظهر إلى الوجود دفعة واحدة، بل ألفت وجمعت على مراحل إلى أن أخذت شكلها النهائي بنهاية القرن السادس عشر الميلادي تقريبا إذ تمت ترجمتها لأول مرة إلى الفرنسية سنة 1704 على يد المستشرق الفرنسي أنطوان جالان بتصرف كبير، قبل أن تعرف طريقها بعد ذلك إلى باقي اللغات الأوربية، وهي الترجمات التي اعتمدت بالأساس على النسخة الفرنسية عوض النسخة العربية. هذا بالطبع لا يعني أن ترجمة أنطوان جالان كانت هي الأولى إطلاقا، إذ أن المسودات الأولى عرفت ترجمة لبعض الحكايات إلى لغات أجنبية منها الأنجليزية والإيطالية، وهو ما يفسر تأثر بعض فطاحلة الأدب العالمي آنذاك وانعكاسها في كتاباتهم المبكرة انطلاقا من شوسير إلى شكسبير مرورا بالإيطالي بوكاشيو.ورغم عدم نقاوة الأصل العربي ل"ألف ليلة وليلة"، إلا أن تبيئتها كانت عربية بامتياز، إذ تجري الأحداث دائما بين العراق وسوريا ومصر مع التأكيد على أن بغداد تحتل مكانة متميزة فيها، إذ تعكس تفاصيل كثيرة من الحكايات عظمة المدينة ومجدها الخالد حضاريا ومعماريا واجتماعيا وحتى سياسيا... ناهيك عن تناولها بالحكي لمأثورات خالدة في الثقافة العربية كسندباد وهندباد وعلي بابا وأصدقائه اللصوص وغيرها... وبالطبع لم يقتصر الأمر على هذا الحد، فالمحكيات كانت مصدر إلهام للعديد من المبدعين الذين حولوها إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية ناجحة.المؤلفون المجهولون حاولوا تمرير مجموعة من الدروس والعبر منها ما له علاقة بإبراز وانتقاد السلطة الذكورية الطاغية التي جسدها شهريار الذي أراد الانتقام من خيانة زوجته له بإعدام كل النساء بعد الزواج منهن تباعا الواحدة تلو الأخرى كل ليلة، ومنها ما له علاقة بقدرة المرأة على حيازة قلب أعتى الرجال قسوة وأغلظهم فؤادا إن هي فقط امتلكت إلى جانب الجمال كثيرا من الذكاء والغنج والحكمة، وهو ما جسدته شهريار، ابنة وزير الملك التي تطوعت لإنقاذ ما تبقى من النساء، إذ عمدت إلى إلهاء شهريار بحكاياتها التي لا تنتهي، والتي كانت حريصة على أن تنهي الواحدة منها مع نهاية الليل للإبقاء على خيط التشويق مفتوحا حتى يمهلها الملك القاتل إلى الغد لتكملها... وهكذا استولت على قلبه بعد ألف ليلة وليلة لتكون زوجته الأخيرة، ولتحافظ بذلك على رؤوس من تبقى من نساء المملكة فوق أكتافهن. عبد الكريم القمش

أسرار “ألف ليلة وليلة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنيس يفوز بجائزة "تشيبو" العالمية للآداب

بيع لوحات نادرة من الفن المغربي المعاصر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات