الوردي والمصحات… الحرب غير المقدسة

وزير الصحة ينظف فوضى القطاع الخاص بالإغلاقات والردع لم تهدأ الحرب، منذ سبع سنوات، بين وزارة الصحة ومؤسسات تابعة للقطاع الصحي الخاص حولت أسمى مهنة في العالم مرادفا للجشع والاغتناء غير المشروع وتنويع " مصادر الدخل" على حساب آلام ومعاناة المرضى وذويهم الذين يدفعون آخر درهم في جيوبهم لمصحات "الداخل إليها مفقود والخارج منها مفقود أيضا". آخر المعارك التي خاضها الحسين الوردي، وزير الصحة، إغلاق أربع مصحات في وقت متقارب، ما خلف ردود فعل "طبيعية" في أوساط مهنيي القطاع، واحدة بالدار البيضاء كانت مسرحا لحادث وفاة مأساوية لمهندس قضى محترقا، بعد أن اندلعت النيران في الغرفة التي كان يرقد بها من أجل الاستشفاء، وتبين من خلال التحريات أن "مول المصحة" كان يجري "قياس الخير" عمليات إصلاح وصيانة وصباغة في الوقت نفسه الذي كان المرضى يرقدون في أسرتهم، علما أن هذه الأشغال بدأت دون ترخيص من الــجهات الرسمية. والثانية بالجديدة، ويتعلق الأمر بعيادة طبية متخصصة في طب وتوليد وجراحة النساء، سبق أن تورطت صاحبتها، قبل سنوات، في عمليات إجهاض منافية للقانون والأخلاق العامة، ثم ثالثة في البيضاء شهدت وفاة أم ورضيعها، وراسل الوزير الأمانة العامة للحكومة والهيأة الوطنية للطبيبات والأطباء والجمعية المغربية للمصحات الخاصة، ووالي الدار البيضاء الكبرى، وذلك من أجل اتخاذ ما يلزم من إجراءات زجرية تجاهها، إلى حين الاستجابة لملاحظات لجنة التفتيش واحترام المعايير التقنية الواجبة على المصحات الخاصة. وفي الفترة نفسها، أمرت وزارة الصحة، بإغلاق مصحة بورزازات، ثم أخرى بالبيضاء بناء على خروقات للمعايير التقنية المنصوص عليها لاشتغال المصحات، من قبيل عدم تسوية الوضعية القانونية للمصحة، وعدم توفرها على مدير طبي يسهر على سلامة المرضى وعلى التسيير المنضبط للمصحة، وعدم مطابقة بعض التجهيزات التقنية للمواصفات المعتمدة، أو غيابها كليا، وعدم توفر المصحة على الموارد البشرية الضرورية لتقديم العلاجات، واعتمادها، بطريقة غير قانونية، على مهنيي القطاع العمومي. سلسلة من الإغلاقات والتحذيرات ولجان التفتيش شبه «المستقرة» في عدد من المصحات و»جبال» من شكايات المواطنين والمرضى التي تتوصل بها الجهات المسؤولة ووكلاء الملك، تقدم الدليل على أن الوضع مختل في بعض «الكليكينات»، التي استفادت من فوضى قانونية عارمة واكبت تشجيع القطاع الخاص والأطباء، على الخصوص، قبل أربعة عقود، على الاستثمار في بناء المصحات الخاصة، لرفع العبء على القطاع العمومي الذي بدأ يصل إلى حالة امتلاء كلي، بسبب الإجراءات التقشفية لسياسة التقويم الهيكلي، وما فرضته من «قطع للماء والضوء» على القطاعات الاجتماعية، وضمنها قطاع الصحة العمومية. في هذا المناخ، نبتت مجموعة من المؤسسات الصحية الخاصة تحت إدارة أطباء، أو أساتذة أطباء، غادر بعضهم مدرجات التدريس والعمل في المستشفيات للالتحاق بـ»الكولورادو» الجديد الذي استفاد من جيل الانفتاح على القطاع الخاص بخدماته المتنوعة وطريقة تسييره وبنياته التحتية المختلفة عن نمطية المستشفيات العمومية. هذا التشجيع غير المراقب، شكل بيئة مساعدة لتفشي عدد من السلوكات والممارسات التي بدأت تفقد القطاع الصحي الخاص مصداقيته بالتدريج، وحولت بعض المصحات في نظر عدد من المواطنين والمرضى ومسؤولين في الدولة، إلى مجازر صغيرة، لا تنضبط لأي قانون حتى قال المرحوم التهامي الخياري، وزير الصحة الأسبق في لحظة بوح نادرة، إن الدولة تعرف فقط كيف ترخص لفتح المصحات، ولا تعرف كيف تغلقها، لذلك بالضبط حين تحركت وزير الصحة السابقة وأعدت مئات التقارير، عبر لجان التفتيش التابعة للوزارة، وأصدرت قرارات بإغلاق حوالي 13 مصحة، تحركت لوبيات القطاع التي شعرت أن «كرامتها» اهتزت بمجرد أن المسؤولة السابقة اقتربت من أسوار «ضيعاتها»، وكان يجب أن تطرد منها على الفور. خلال خمس سنوات من حكومة عبد الإله بنكيران، لم يعرف عدد المصحات التي أغلقت أو خضعت إلى التفتيش أو سلمت ملفاتها إلى الأمانة العام لاتخاذ اللازم، وذلك بسبب السياسة المتحفظة لـ»البروفيسور» الوردي الذي تبنى مقاربة مختلفة تتسم بالتدريج في العقاب واعتبار الإغلاقات ليست هدفا في حد ذاتها، بل وسيلة للردع من أجل الإصلاح. يوسف الساكت 10 % من الاستشفاء و86 من التعويضات حسب البيانات الصادرة عن وزارة الصحة، لا يتعدى عدد المصحات 320 مصحة بسعة سريرية إجمالية تقدر ب 7973 سريرا ممركزة خاصة في محور الرباط الدار البيضاء. وتمثل المصحات الخاصة أقل من 10 في المائة من الاستشفاء، مقارنة مع المستشفيات العمومية. وفي تقرير حول المستشفيات الخاصة بالمغرب، أقرت «الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة» بصعوبة الحصول على المعطيات والبيانات الخاصة بالمردودية السنوية لهذه المصحات والعمليات الاستشفائية والعمليات الجراحية، بسبب غياب التنسيق مع وزارة الصحة ومراقبة عمل هذه المصحات، وغالبا ما تكتفي الجمعيات والشبكات المهتمة بالقطاع بالمعلومات المتاحة من هيآت التأمين الإجباري عن المرض، علما أن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، هي الأخرى، تجد صعوبة كبيرة في متابعة المؤشرات الصحية والعلاجية بهذه المصحات. وقالت الشبكة، في التقرير نفسه، إن المصحات تستهدف المجالات الطبية الأكثر ربحية، خاصة العمليات الجراحة والطب العام والتوليد، في وقت «تتخلى» عن التخصصات الأخرى للمستشفيات العمومية مثل: الطب النفسي والأمراض الجلدية والطوارئ وأمراض الشيخوخة وعلاج المسنين الذين يشكلون ما يقارب 2.8 مليون شخص، أو 8.6 في المائة من السكان، يعانون أمراض القلب والشرايين وضغط الدم والقصور الكلوي أو الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري وهشاشة العظام، ومرض «الــــــــزهايمر». «ورغم ضعف العرض الصحي مصحات الخاصة، فإنها تستحوذ على ما يقارب 86 في المائة من النفقات الإجمالية لصناديق التأمين تصل إلى ملايين الدراهم سنويا، وفقا لحصيلة الحسابات السنوية لـ»لاكنوبس» خلال آخر 3 سنوات، في حين أن المستشفيات العمومية لا تستفيد إلا من 5 في المائة، فقط من هذه النفقات وذلك نتيجة انهيار الخدمات الصحية بهذه المستشفيات العمومية وعدم قدرتها على تقديم خدمات ذات جودة، ما يدفع المرضى المؤمنين إلى التوجه للمصحات الخاصة . ي. س

الوردي والمصحات… الحرب غير المقدسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ميكروطروطوار

تجارة المرض تؤجل الأحلام "الوردية"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات