بوعزيز: الشعب وقع عليها بالدم

المؤرخ أكد أن وثيقة 11 يناير ليست الأولى في مطالبة الحركة الوطنية بجلاء الاستعمار قال المؤرخ المصطفى بوعزيز، مدير المركز المغربي للدراسات الاجتماعية أن وثيقة 11 يناير 1944 ليست هي الأولى التي طالبت بالاستقلال، بل سبقتها وثائق أخرى مثل وثيقة 14 فبراير 1943 بالشمال، التي وقعها عبدالخالق الطريس والمكي الناصري، والتي سيأخذ منها روح وثيقة 11 يناير وباقي الوثائق. وأكد أستاذ التاريخ بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء أن انتفاضة 29 يناير 1944 هي التي صنعت الحدث ووقعت بالدم على البعد الشعبي للوثيقة. في ما يلي نص الحوار: < ما هو السياق التاريخي الذي سبق تقديم وثيقة الاستقلال؟ < منذ أن استقر الاستعمار الفرنسي في المغرب سنة 1912، عاشت النخب الحضرية ما نسميه الصدمة، إذ اكتشفت اختلال ميزان القوى لصالح الغرب، والاقتناع بأنه لا تكفي الشجاعة والوطنية لوحدهما لمواجهة الاستعمار، وبالتالي كان التوجه العام لدى هذه النخب، هو التريث، بينما سارت النخب القروية في اتجاه مغاير يقوم على رفض المستعمر من منظور ديني، وأعلنت حركة الجهاد، التي امتدت في الزمن من 1903 وفي المكان لتشمل فكيك والأطلس المتوسط والجنوب والريف، وهي حركة قروية استمرت إلى حدود 1936. < لكن كانت هناك أصوات حضرية طالبت بالاستقلال؟ < كانت هناك أصوات لكن بشكل فردي، ولم تكن تمثل حركة، مثل الفقيه العتابي سنة 1917، وفي بداية 1921، ومع بداية تأسيس المدارس الحرة، ستظهر حركة مدنية سياسية ستختار في المرحلة الأولى من عملها الدعوة إلى إصلاح نظام الحماية، وستنطلق من المطالبة بسن سياسة مدنية فيها نوع من الاستفادة من المستعمر ومبادئ الثورة الفرنسية، مثل الحرية والمساواة والتضامن، واعتبار أن ليس كل الفرنسيين استعماريين، في إشارة إلى الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كانت له مواقف ضد الاستعمار، وساند الحركة النقابية. ومن هنا بدأ الحس السياسي للحركة الوطنية، حيث طرح على المغاربة معطى تغيير نظام الحكم في إسبانيا، مع وصول الحزب الاشتراكي إلى الحكم، وهو الذي كان له موقف ضد وجود الجيوش الإسبانية في المستعمرات، فطرح سؤال ما ذا لو طبق الاشتراكيون برنامجهم، بعد الوصول إلى الحكم، وأعلنوا الانسحاب من الشمال، وكان هناك نقاش بين علال الفاسي (20 سنة) وعبد الخالق الطريس، وعبد السلام بنونة، حول هذا الموضوع، وكان هناك من يطرح حث الإسبان على الاستمرار في الشمال، باعتبارهم ليسوا محتلين، خوفا من استعادة تلك المناطق من قبل قوات المستعمر الفرنسي. وقد شكل عبدالسلام بنونة آنذاك وفدا لتقديم التهاني إلى الرئيس الإسباني الجديد، واستقبلهم، ووعدهم خيرا، لكن لم يوقع معهم أي التزام. والخلاصة من هذه الواقعة أن الاستقلال كان واردا لدى هذه النخبة الحضرية، منذ البداية لكن الخوف من بطش فرنسا هو الذي أجل المطلب. < أكدتم في مقالات سابقة لمناسبة ذكرى 11 يناير أن وثيقة 1944 لم تكن الأولى، بل سبقتها وثائق مماثلة. كم عددها، ولماذا تم تجاهل الوثائق الأخرى؟ < بالفعل، ليست وثيقة 11 يناير 1944 هي الأولى التي طالبت بالاستقلال، بل سبقتها وثائق أخرى مثل وثيقة 14 فبراير 1943 بالشمال، التي وقعها عبدالخالق الطريس والمكي الناصري، وكانت موجهة أيضا للحلفاء، ومنها سيأخذ روح وثيقة 11 يناير وباقي الوثائق، وبعد ذلك بسنة، فكر علال الفاسي وبلحسن الوزاني التقدم بوثيقة موحدة بين حزبيهما الممنوعين آنذاك من قبل سلطات الاستعمار، وعقدا لقاءات تشاورية عديدة، لكنها لم تصل إلى الاتفاق، مما دفع كل حزب إلى صياغة وثيقته الخاصة. فتقدم الاستقلال بوثيقة 11 يناير وقعها 58 شخصا، فيما تقدم الشورى والاستقلال، بعد يومين بوثيقة 13 يناير وقعها 12 شخصا فقط، وتضمنت الحديث عن الديمقراطية. < لكن لماذا لم تنل تلك الوثائق حظها من الاهتمام، علما أنها وقعت من قبل نخب معروفة مثل وثيقة 11 يناير؟ < ككل العرائض التي وقعت في هذا الصدد كانت وراءها نخب حضرية، لكنها لم تخلق الحدث الشعبي الكبير، لتظل محصورة في الأوساط السياسية المتتبعة والقوات الاستعمارية التي كانت تنزعج من أي مطلب يهم الاستقلال. وما سيخلق الحدث، هو حين ستعتبر السلطات الفرنسية مطلب الاستقلال استفزازا لها، خاصة أنها كانت في وضعية الحرب العالمية الثانية، وانهزمت فيها فرنسا، ما أدى إلى انشقاق في الجيش الفرنسي، قاده الجنرال دوغول، وأصبحت بعض المستعمرات تابعة لفرنسا الحرة. انتفاضة 29 يناير اعتبر دوغول مطلب الاستقلال استفزازا، فقاد موجة اعتقالات واسعة في صفوف المناضلين الاستقلاليين، والمطالبين بالاستقلال. كما انطلقت حركة توقيع عرائض صغيرة تساند العرائض الكبرى المطالبة بجلاء المستعمر، وهي الأجواء التي هيأت لانتفاضة شعبية يومي 29 و30 يناير في سلا والرباط وفاس، إذ استعملت القوات الفرنسية السلاح في مجزرة أعطت البعد الشعبي الموقع بالدم لوثائق المطالبة بالاستقلال، وهي الانتفاضة الشعبية التي شارك فيها كل الموقعين على تلك العرائض. وإنصافا للتاريخ وللتعددية التي ميزت حركة المطالبة بالاستقلال، واعترافا بالعرائض التي وقعت قبل 11 يناير 1944، والتي ساهمت في الشرارات التي أدت إلى اندلاع انتفاضة 29 و30 يناير، يمكن اعتبار أن التاريخ الفعلي للمطالبة بالاستقلال هو 29 يناير، الذي روي بدماء الشهداء ضحايا الانتفاضة الشعبية، والذي أعطى البعد الشعبي لحركة المطالبة بالاستقلال. أجرى الحوار: برحو بوزياني في سطور - استاذ جامعي ومؤرخ - متزوج له ابنان - مدير المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية - صدرت له العديد من المؤلفات والدراسات التاريخية - عضو قيادي في الحزب الاشتراكي الموحد

بوعزيز: الشعب وقع عليها بالدم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شباط يدفع بنكيران إلى المجال الملكي

قــــالـــــوا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات