يستحيل ضبط إنسان غير منضبط، أو رسم بروفايل "موفق" لمواطن غير صالح. فالمهمة صعبة، وهي أقرب إلى محاولة الإمساك بضفدعة في بركة لزجة، أو تعقب آثار نملة فوق رمال متحركة. فالرجل لا يمنحك اختيارات كبرى لـ"تأطير" سلوكاته وتصرفاته وحركاته وسكناته وخرجاته ومفاجآته، بل مستعد، في كل الأوقات، لمحاصرتك، في زاوية ضيقة، وإشهار بذاءته في وجهك ولا يدع لك فرصة للتفكير فيه، أو به."الإنسان غير الصالح" متخلف بالمعنى السوسيولوجي للكلمة، و"مشرمل" بمفهومها الوضيع. له قدرة عجيبة على مباغتتك وإصابتك بالقرف والإحباط وتحويل يومك إلى متتاليات ندم وسخط على "رحم البلاد" التي أنجبتكما معا، والرقعة الجغرافية التي تجـــمعكما.تصادفه في كل مكان وكل زمان، معلنا عن وجوده بطريقة غريبة ليقول للجميع "إني هنا باق من أجل تدمير آخر قلاع الصبر فيكم":في الشارع العام، يمكن أن يكون راجلا يفرض على السيارات والشاحنات والحافلات "التوقف الإجباري" وسط الطريق لفسح المجال لمرور "موكبه" الموقر، أو يكون سائق سيارة أجرة يسرق جيبك بلمسة غش في العداد، دون أن ينسى تنبيهك- بأدب جم- بإغلاق الباب برفق، أو يكون صاحب سيارة فارهة، يرمي تحت قدميك علبة سجائر فارغة، أو "كانيط" جعة، ثم "يحرق" إشارة المرور والضوء الأحمر. وقد يخرج لك من وسط طابور بمحطة قطار أو حافلات، وينظر باستعلاء إلى جموع المنتظرين ويتجه رأسا إلى كشك الجابي لطلب تذكرة، أو تصادفه في إدارة ضرائب، أو وكالة للماء والكهرباء يتسلل من الباب الخلفي الخاص للموظفين لأداء "واجباته" دون حرج، أو يكون زوجا صالحا يسمع كلام زوجته التي تطلب منه رمي كيس القمامة، فيتسلل على أطراف قدميه ليلا ليضعه قرب باب جاره، ثم يعود إلى سريره، منتشيا بفعلته.ويمكن أن يظهر في هيأة أب يجري حصص ملاكمة إضافية على وجه زوجته أمام أنظار أبنائه لتلقينها فنون الأدب والأخلاق وواجب الاحترام، ثم يغادر إلى أقرب مقهى، حيث يرتب موعدا مسبقا مع صديقتها المطلقة، أو يكون شرطي حدود أو ضابط جمارك يوقع على تراخيص مرور لمواد غذائية منتهية الصلاحية، أو منتخبا يبيع أصوات ناخبيه في مزادات تحالفات بالدفع المسبق، أو ناخبا يبيع صوته لأول طارق على الباب.المواطن غير الصالح مربك بطبيعته، ومناور ومستفز ومباغت ومتعال و"شبعان عياقة". يعتقد أن القوانين ومدونات الأخلاق والقيم وتوافقات العيش المشترك و"العقود الاجتماعية" خلقت لغيره، أو لم تخلق سوى من أجل خرقها وتسفيهها بسلوكات يومية تضعنا جميعا، في أعين العالم، ضمن خانة الجانحين والحمقى وغير الأسوياء اجتماعيا.ولا يعدم "غير الصالحين" التبريرات لشرعنة سلوكاتهم، وهم مستعدون لفتح قنوات "حوار" معك وطرحك أرضا بضربات متتالية، تحاول أن تقنعك أن ما يقومون به عين العقل في مجتمع متخلف، أو أنهم نتاج تربية وعلاقات وقيم متوارثة غير مسؤولين عنها، وحين تحاول أن تجادلهم يغضبون بسرعة وتنتفخ أوداجهم وتحمر أعينهم، آنذاك سيكون أمامك خياران لا ثالث لهما: إما أن تسكت وتنسحب، أو "تخلا دار بوك".يوسف الساكت