المقاربة المغربية زاوجت بين الأمني والفكري والمراجعات داخل السجون أثمرت مواقف جديدة
أعادت الهجمات الإرهابية التي ضربت مناطق مختلفة في باريس أخيرا، وأودت بحياة أزيد من 132 شخصا، الفكر الجهادي إلى الواجهة بالمغرب، خصوصا أن بعض منفذي الهجمات من أصول مغربية، مقيمين في مجتمعات أوربية، إذ أرغمت الأحداث المذكورة فرنسا والدول الكبرى، على إعادة النظر في كيفية تجفيف منابع تمويل الجماعات الجهادية، وإغلاق قنوات التجنيد، والأهم من ذلك إيجاد السبل الكفيلة باحتواء الفكر المتطرف.
ومن منطلق مواجهة الفكر بالفكر، طرح عدد من المراقبين التجربة المغربية، نموذجا يستحق التتبـــــع والتحليل، مدافعين عنها بالأرقام، إذ سجلت السنوات الماضية تراجعا في عدد العمليات الإرهابية داخل المملكة، موازاة مع تطور حجم التدخلات الأمنية، من خلال تفكيك عدد مهم من الخلايا والتنظيمات، التي تتبنى الفكر الجهادي، موضحين أن لدى النظام المغربي وعيا متقدما بضرورة، مزاوجة المقاربة الأمنية مع المقاربة الفكرية.
وفي هذا الشأن، تبرز مضامين الكلمة التي ألقاها أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أمام لجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، جانبا مهما من المقاربة الفكرية التي اعتمدها المغرب في مواجهة الفكر الجهادي، بعيدا نسبيا عن منطق المراجعات الدينية المعتمد في التجربة المصرية مثلا، ذلك أن فكرة الإرهاب، حسب الوزير، يمكن أن تتسرب إلى العقول باستغلال الهشاشة في حياة المسلمين، سيما في جوانب المشروعية السياسية من منظور الالتزام بكليات الدين، وتأويل النصوص في غياب سلطة دينية علمية وازنة، وكذا فراغ أو ضعف في التأطير الديني أو الخدمات الدينية.
ويستند التصور المغربي لكيفية احتواء الفكر المتطرف، إلى أن التيار الإرهابي ينحدر من تيار ديني، يقرأ النصوص قراءة حرفية مقطوعة في الغالب عن سياقها الزمني والموضوعي، وعندما يمر أصحاب مثل هذا التيار إلى النشاط السياسي، يظنون أن هذه القراءة تجيز لهم استعمال العنف، ومن هنا، كان الاهتمام بإعادة هيكلة الحقل الديني، عبر بناء المساجد وترميمها وتجهيزها، والعناية بالأئمة في أحوالهم المادية والاجتماعية، وكذا التكوين المستمر للأئمة والتركيز على التشبيب، إلى جانب تكوين مرشدات دينيات من المتخرجات من الجامعة، يقمن بالإرشاد لفائدة النساء والرجال في المساجد وفي مؤسسات أخرى، مثل المدارس والمستشفيات والسجون.
وفي المقابل، أكد عبد الحكيم أبو اللوز، الباحث في السلفية الجهادية بالمغرب، أن المقاربة الفكرية المعتمدة في مواجهة الفكر الجهادي، لا يمكن وصفها بأنها فكر في مواجهة فكر، وإنما سياسة مقابل فكر، مستدلا بالخطوة الأخيرة التي همت الإفراج عن 37 معتقلا إسلاميا، تحدثوا في ما بعد عن إجرائهم مراجعات فكرية، خصوصا حسن الحطاب، شاركت فيها وزارتا الداخلية والعدل والمندوبية السامية للسجون، في غياب لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ما يظهر الطابع السياسي لهذه المقاربة، موضحا أن الدولة كانت ذكية بعد إعلانها هذه المراجعات، وتركت أمر الكشف عنها للمعتقلين المفرج عنهم.
وينفي أبو اللوز في حديث لـ”الصباح”، ارتقاء المراجعات المذكورة إلى مراجعات فكرية، مؤكدا أنها لا تعدو أن تكون مراجعات سياسية حول مجموعة من النقط، من بينها الموقف من الملكية والعنف، مشيرا إلى أن المقاربة الأمنية ما زالت تحتل الأولوية في مواجهة الفكر الجهادي، فيما أبدى الباحث شكوكه حول نجاح الإجراءات المعتمدة حاليا، من قبيل تكوين الأئمة وتسويق النموذج الديني المغربي في أوربا وإفريقيا والجارة الجزائر، موضحا أن هذا النوع من الدعاية الدينية أثبت فشله في التجربة التونسية، وبالتالي فالمواقف السياسية الجديدة للمعتقلين السياسيين، لا تغني عن ضرورة الإدماج والإنصاف، باعتبارهم حقيقة ســـوسيـــــولوجية تملــــــــك قاعــــــدة فــــي المجتمــــــــع، عبـــــــر إشـــــــراكهم في تدبير الحقل الديني بطريقة، أو بأخرى.
بدر الدين
عتيقي