هل الأسرة التي تضطر إلى إيداع أحد أفرادها المسن، في دار للعجزة تكون في وضعية نفسية مستقرة، أم أنها قد تعاني الندم؟ القول إن هناك ضرورة ملحة هي ما ألزم العائلة، أو الأسرة إلى إيداع الفرد المسن دار للعجزة، يعني أن هذا الشخص أصبحت الحياة معه مستحيلة. لكن ما تجب معرفته هو أنه في هذه الحالة، غالبا ما تكون هناك مشاكل صحية عضوية أو نفسية تجعل المسن يقوم بسلوك، لا تجد الأسرة المحيطة به الطاقة الكافية لتحمله، فتلجأ إلى إيداعه دار للعجزة، الذي يظل الحل الأبسط، في الوقت الذي يجب فيه استشارة الطبيب لتشخيص أسباب الحالة التي صار عليها وإجراء فحص سريري للوقوف عليها. وهي أسباب، تبقى عموما قابلة للعلاج. أما اللجوء إلى الحل الأبسط، والقول بعدها إنهم يعيشون حالة من تأنيب الضمير، فهذا يجعل هذه الأسر تلعب دور الضحية فقط، وتدعي أنها كانت مضطرة، فتدخل بذلك مرحلة من الاضطراب في علاقاتها بمحيطها، وداخل العمل.المشكل في حقيقة الأمر أن إيداع المسنين دور العجزة، صار شائعا، أو موضة. ورغم قساوة بعض البرامج التلفزيونة المعروضة حاليا، إلا أنها في الآن ذاته تسلط الضوء على مشكل حقيقي، بل جريمة شنعاء في حق الشخص المسن، الذي قد يتخلى عنه ذووه لأسباب تافهة، وهذا يجعل السلطات المختصة مسؤولة أيضا عن هذه الوضعية، وعليها أن تدقق أكثر في طلبات الإيداع، فنحن عندما نودع مسنا دار العجزة، فكأنما نقوم برمي رضيع في الشارع. هل يمكن لدور العجزة أن تعوض الحرمان أو الاضطراب العاطفي الذي يعانيه المسن جراء إحساسه بأنه تم التخلي عنه؟ لا أظن أن دور العجزة قادرة على تعويض الحرمان العاطفي، ما يقع، أن المسن يمر من عدة مراحل سيكولوجية، أولاها مرحلة الإحباط الكبير التي تسيطر عليه رغم أن الدار قد توفر له جميع شروط الراحة والرعاية والحنان، إلا أنه يشعر بالتحطم لأنه تم التخلي عنه ولا تتم حتى زيارته. من بعد يمر المسن إلى مرحلة التأقلم، حينها يتعرف على مشاكل ومعاناة رفاقه في الدار، إلى أن يصل إلى مرحلة مفروض عليه تقبلها، إلا أنه لا يصل مطلقا إلى الشعور بأنه محاط بأبنائه وأنه في المكان الذي يجب عليه أن يكون فيه، أي في الوسط العائلي. بمعنى أن دور العجزة لا يمكن أن تعوض بأي شكل من الأشكال الأسرة، وأن المسن الذي يعيش بها يعاني دوما. ألا ترين أن مرحلة الشيخوخة، صارت بمثابة كابوس وهاجس، بالنسبة إلى من بلغها الذي يخاف من تخلي أسرته عنه، وبالنسبة إلى الأسرة التي تعتبرها عبئا جديدا؟ نعم مرحلة الشيخوخة، صارت يوما بعد آخر بمثابة كابوس، لأن النمو الديمغرافي العالمي، يسير نحو شيخوخة السكان بحكم تطور وسائل العلاج والحياة، وهذا يطرح تخوفات تفرض نفسها من أن الشخص المسن، غير مهم، لأنه يحتاج إلى رعاية واهتمام ولأنه أيضا غير منتج. وهذا أمر خاطئ، لأن الشخص المسن، صحيح أنه يمر بتغيرات سيكولوجية وقد تضطرب ذاكرته وتتغير سلوكاته، إلا أنه منتج للأخلاق والقيم، فذلك الطفل الصغير الذي يرى اهتمام والديه بجده أو جدته، تترسخ لديه هذه الصورة، ويأخذ منها كافة الدروس والعبر، وبالتالي يطبقها تلقائيا بعد أن يبلغ والداه مرحلة الشيخوخة. أجرت الحوار: هجر المغلي(*) خديجة علمي مشيشي (طبيبة نفسانية)