متلاشيات المناجم … “خردة” ملطخة بالدم

مافيا تستغل عاطلين لاستخراج بقايا الحديد من مناجم الفوسفاط المهجورة باليوسفية في اليوسفية، تستقبلك جبال من الأتربة ومداخن معامل تكليس الفوسفاط، ويحيلك ذلك إلى أنك تلج مدينة منجمية. وعلى مقربة من هذه المدينة، تقع بعض القرى التي تشتهر بمناجمها على غرار الكنثور (سيدي أحمد) والسبيعات. عُمر هذه المناجم من عمر حقبة الاستعمار الفرنسي، إذ شكلت أساس ونواة اقتصاد المدينة خصوصا ومنطقة أحمر عموما، واستقطبت أيدي عاملة كثيرة من مختلف مناطق المملكة، بالإضافة إلى الأجانب. لكن العمل بهذه المناجم توقف لعقود، لتنشط بذلك شبكة من المتخصصين في سرقة الحديد من هذه المناجم، وإعادة تسويقه، مستغلين بذلك وضعية مجموعة من شباب المنطقة يعاني العطالة، فتحولت هذه المناجم، إلى مصدر للربح السريع لمافيا معروفة لدى الجهات الساهرة على أمن المنطقة، في حين يتربص الموت بالعاطلين الذين اختاروا طريق الموت لكسب مورد للرزق.ففي ظل غياب أرقام رسمية حول عدد الموتى والمفقودين بهذه المناجم، فإن بعض المصادر الحقوقية بالمدينة تقدر ذلك بالعشرات.تعمد مافيا "الخردة" التي تحقق أرباحا طائلة من نشاطها، ومنها أحد الأشخاص الذي اعتقل مرتين، بعد ضبطه متلبسا بحيازة أطنان من الحديد التابع للمكتب الشريف للفوسفاط، إلى منح "عمالها" من الشباب أدوات بدائية كالحمير مثلا، لاستخراج أكبر كميات من الحديد، داخل مناجم معرضة للانهيار في أي لحظة وحين.يحكي "ميلود رواني"، الذي اشتغل بمناجم المكتب الشريف للفوسفاط، أن العمل في هذه المناجم كان شبيها بالمغامرة، غير أن ظروف العمل في ذلك الوقت، كانت مواتية نسبيا، والأخطار قليلة، وليست منعدمة، أما اليوم فلم تبق بهذه المناجم إلا مصاعد مهترئة، لا يمكن استعمالها، وبعض القناطر الخشبية والحديدية، المعرضة للانهيار.أحد العاملين مع شبكة للاتجار في الخردة والمختصة في استخراج الحديد من هذه المناجم، أسر لـ"الصباح"، أن نزوله إلى المنجم مسألة حياة أو موت، "فأنا أستعمل معدات بدائية لاستخراج الحديد.. أغامر في دخول المنجم الذي قد ينهار علي في أي حين، كما انهار سابقا على مجموعة من الشباب منهم من أعرفهم، ولا أستعمل سوى حمار أحمل عليه الحديد من داخل المنجم ومطرقة ومصباح يدوي".الموت الذي يخطف الكثيرين بهذه المناجم، جعل إدارة الفوسفاط، تقوم بحملات أمنية بمساعدة الدرك لعلها، توقف هذا المسلسل الرهيب، فقبل أقل من سنتين، تم تسجيل اختفاء مجموعة من الشباب، داخل منجم يصل طوله إلى عشرة كيلومترات، إذ أفادت أسرة شاب أن ابنهم دخل إلى المنجم رفقة شباب آخرين لاستخراج الحديد ولم يعد.وأسفرت عملية البحث من قبل فرق الإنقاذ، عن العثور داخل المنجم، على دابة ميتة وعربة مجرورة داخل المنجم الفوسفاطي رقم5، أو ما يطلق عليه "الروسات5"، يفترض أن أفراد عصابة سرقة الأسلاك الحديدية، كانوا يستعملونها لسرقة الحديد.كما تم العثور في مناجم أخرى على جثث أشخاص لقوا حتفهم هناك، في حين تم إنقاذ آخرين بأعجوبة.محمد العوال (آسفي) نحاس "أو سي بي" في وقت تحاول المصالح الأمنية، فرض رقابة شديدة، على تجار الخردة، عمد امبراطور متلاشيات يتحدر من الزمامرة إلى إعداد سيناريو آخر، إذ ترك المناجم، وتوجه نحو مناطق خلاء لإزالة أنابيب نحاسية يصل طولها إلى عشرات الكيلومترات في ملكية المكتب الشريف للفوسفاط.وتوصلت عناصر المركز القضائي للدرك الملكي باليوسفية، في وقت سابق، بمعلومات تفيد القيام بسرقة كميات يقدر وزنها بالأطنان من الأنابيب النحاسية، لتقوم بالتربص للمتهمين قرب إحدى الغابات المحاذية لأحد دواوير الجماعة القروية الطياميم، ليتم إيقافهم وهم في حالة تلبس، إذ كانوا منهمكين في عملية تقطيع أنابيب حديدية في ملكية مديرية الاستغلالات المنجمية لليوسفية، وتم اعتقال ثلاثة عناصر في حين فرّ أربعة أشخاص آخرين من ضمنهم زعيم العصابة.وتمكنت المصالح الأمنية ساعة إيقاف المتهمين، من حجز جهاز ضبط الغاز وأنبوب بلاستيكي وكمية مهمة من المسروقات في ملكية المكتب الشريف للفوسفاط والتي يتم تسويقها بالدار البيضاء، وقارورات الأوكسجين دون الحصول على ترخيص باستعمالها، وأربع قنينات غاز، وشاحنة من نوع "فورد".وعند الاستماع إلى الموقوفين، أشاروا في محاضر الاستماع إليهم، وكذا أمام الوكيل العام للملك، إلى أنهم كانوا ضحية ظروفهم الاجتماعية، التي استغلها رئيسهم، الذي يحقق أرباحا طائلة من عمليات السرقة تلك، والذي اختفى عن الأنظار بعد مطاردته من قبل المصالح الدركية، لتتم إحالتهم على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بآسفي، لمتابعتهم من أجل المنسوب إليهم.م.ع

متلاشيات المناجم … “خردة” ملطخة بالدم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أربع طرق تؤدي إلى "السيادة"

شركات الوساطة...لاعب جديد

مقالات ذات صلة