أكثر من مستشار ملكي، إنه صديق أعلى سلطة في البلد، وأحد أقرب زملائه بالمدرسة المولوية وما بعدها، وأمين أسراره منذ أن التقطته عيون الحسن الثاني، شابا يتمرس في ملفات الشأن المحلي ببلدية ابن جرير.يصعب وضع فؤاد عالي الهمة في خانة، ولو كانت ضيقة بجانب جلالة الملك. فالرجل أكبر من أي تصنيف، ويمثل "حالة خاصة"، يفرد لها، إلى اليوم، حيز مهم في التداول الإعلامي حول المؤسسة الملكية ومحيطها وحدائقها الخلفية.لا تخفى بصمات الهمة في القرارات الإستراتيجية الكبرى، بل يبدو، في كثير من الأحيان، أن "ابن كاسكور"مهندسها بامتياز، بدهاء سياسي خارق، صقله على مدى سنوات، حين كان مجرد متدرب في مكتب وزير الداخلية القوي إدريس البصري، وحين أبهر رؤساء الجماعات المحلية، بداية التسعينات، بأفكار "عبقرية"سابقة عن زمنها، مثل جمعيات المقاولين الشباب والتشغيل الذاتي، والتدبير المفوض للقطاعات العمومية.من مكتب الأمير إلى مقر وزارة الداخلية، عرف الهمة كيف يقترب أكثر من الملفات الأكثر حساسية (الأحزاب والانتخابات، والجمعيات، والتنظيمات الإسلامية، وقضية الصحراء..)، كما أدرك، مبكرا، أن وضع قدم في مربع الحكم في المغرب يمر، بالضرورة، عبر التحكم في دواليب أم الوزارات، لذلك كان الهمة في مقدمة المشيعين لحقبة إدريس البصري، بل كلف "رجاله"بتفتيش سيارة الوزير القوي، قبل مغادرتها مقر الوزارة، تحسبا لسرقته "قرارات إستراتيجية"للدولة.بعد إزاحة عقبة البصري، طوى الهمة مرحلة أساسية في تاريخ النظام الملكي، وشرع في تدشين أخرى جديدة بملامح وقرارات مختلفة، كان أولها إقناع جلالة الملك بالسماح بعودة إبراهام السرفاتي، زعيم منظمة إلى الأمام، وأحد أكبر السياسيين المنفيين في عهد الراحل الحسن الثاني، كما مهد لرفع الإقامة الجبرية على زعيم آخر، ليس سوى الشيخ عبد السلام ياسين، المرشد العام لجماعة العدل والإحسان، أكبر الجماعات الإسلامية المناوئة للنظام نفسه.واعتبر "المهندس"، هاتين الإشارتين ضروريتين لإطلاق مسلسل المصالحة والحقيقة والإنصاف، إذ كان الهمة عرابه الأساسي، رفقة أصدقاء من يسار المشهد السياسي، مثل الراحل إدريس بنزكري وصلاح الوديع وأحمد حرزني ولحبيب بلكوش وخديجة الرويسي.انتقل الهمة، في هذه الفترة، إلى وزارة الداخلية، وتحول وزيرها الفعلي برتبة كاتب دولة، متابعا عن كثب تفاعلات قرارات إستراتيجية ظل يعتبرها، مفتاحا لعهد جديد يقوده ملك شاب، كما أشرف من موقعه على مبادرات وخطط لا تقل أهمية، مثل الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي تحولت إلى قانون متقدم لمدونة للأسرة، كما وضع الخطوط الكبرى للمبادرة الوطنية لتنمية البشرية، تحت إشراف مباشر لجلالة الملك، ثم قاد مسلسلا للإصلاح على جميع الواجهات، كانت المؤسسة الملكية محوره ومحركه الأساسي.وكان الجميع ينتظر أن يتحول إلى إدريس بصري ثان، قبل أن يفاجأ الحقل السياسي باستقالته المدوية من "أم الوزارات"وانحيازه إلى المجتمع مطلقا مبادرة "حركة لكل الديمقراطيين"التي تحولت إلى حزب الأصالة والمعاصرة، فكانت رحلة المتاعب التي توجت بتحويل الحزب إلى ساحة للرماية في تظاهرات الربيع المغربي، إذ رفعت صور الهمة عاليا، رفقة زملائه في الحزب والدولة، مطالبة برحيله على وجه السرعة، ما "استجاب له الهمة"مرتديا جلباب مستشار في بلاط الملك.يوسف الساكت