إذا كانت الترسانة القانونية واضحة، في ما يخص تنظيم مسالك ودروب الاختصاصات والصلاحيات والسلط، فإنها تظل قاصرة عن الشرح والتفسير، عندما يتعلق الأمر بكيفية اتخاذ القرار، والجهات التي تتحكم فيه وتوجهه، خصوصا القرار الاقتصادي، الذي تطبعه مواصفات معينة، تستمد تفردها من طبيعة المتحكمين فيه ونوعيتهم. لوبيات ومجموعات ضغط داخلية وخارجية، ومؤسسات ائتمانية دولية، خليط من المتدخلين يصيغون القرار الاقتصادي والمالي بالمغرب، وفق مصالحهم.تتزامن الفترة الحالية مع طرح مشروع القانون المالي الجديد للنقاش أمام البرلمان، وهو الوعاء القانوني الذي يحوي أغلب القرارات، خصوصا الاقتصادي منها، إذ يتم التحضير له على مدى أشهر، وهي الفترة التي تمثل فرصة لأصحاب المصالح من أجل صياغة تدابير وإجراءات تخدمهم. وهنا يتحدث محمد الشيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، عن الإدارة مصدرا رئيسيا للتشريع المالي، وبالتالي متحكما في القرار الاقتصادي، مستدلا على ذلك بتشابه قوانين المالية خلال السنوات الأخيرة لدرجة التطابق في الصياغة، اللهم تغييرا مستمرا على مستوى الديباجة، من أجل إظهار السياسات والتوجهات الاقتصادية على غير حقيقتها.وأشار المحلل الاقتصادي، إلى أن الإدارة مرتبطة خلال صياغتها لمشروع القانون المالي، بالتزامات مع المؤسسات المالية الدولية، يتعلق الأمر تحديدا بصندوق النقد الدولي، الذي يضطلع بتوجيه السياسات المالية، والبنك الدولي، باعتباره الجهة الممولة أو المقرضة في المشاريع ذات الصبغة الاقتصادية والإستراتيجية، والتي تراهن دائما على مبدأ قانون التجارة الدولي «من ينفق يشرف»، فتتدخل هذه المؤسسة بشكل كبير في صياغة مجموعة من القرارات الاقتصادية للمملكة، والحال هنا يهم على سبيل المثال لا الحصر، تحديد الأولويات الاقتصادية وميزانيات الاستثمار، وكذا سقف معدلات النمو وعجز الميزانية.ويسلط الشيكر الضوء، على هامش صغير للجهاز التنفيذي (الحكومة) للتحكم في اتخاذ القرار الاقتصادي، مدرجا عدة أمثلة حول قرارات اتخذت في هذا الشأن، من قبيل رفع منح الطلبة وصرف تعويضات للأرامل واليتامى، موضحا أن قانون المالية بالمغرب، هو عبارة قوانين للمالية متداخلة في ما بينها، حسب مصلحة كل جهة، إذ تحتمل وثيقة مشروع القانون المالي عدة قراءات من منطلق مجموعات الضغط المتدخلة في صياغته.وعلى غرار ما يقع في الدول المتقدمة، يحتمل القرار الاقتصادي وجود توافقات بين المتدخلين ومجموعات الضغط، إلا أن الحال في المغرب، كما يصفه رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، مختل، ذلك أن صياغة القرار الاقتصادي تقوم على توافقات هجينة، تصب دائما في مصلحة الجهة المهيمنة، بخلاف التوافقات التي ينتج عنها قرار اقتصادي إيجابي، كما هو الوضع بالنسبة إلى مدونة الأسرة، بينما صب التوافق في اتجاه الطرف المسيطر في ملفات أخرى، من قبيل إصلاح المقاصة والتقاعد، وكذا ملف الحوار الاجتماعي.وحذر الشيكر من استمرار خضوع القرار الاقتصادي للنمط نفسه في الصياغة، خصوصا من حيث استمرار تدخل الدولة في القطاعات الاقتصادية، وتدخل بنك المغرب المباشر في تنظيم المجال البنكي على سبيل المثال، ذلك أن تدخلها دائما ما يكون مدفوعا بمنطق التمويل يتطلب المراقبة والإشراف، موضحا أن اتخاذ القرار يجب أن يكون توافقيا على نحو إيجابي، وليس محاولة لإرضاء الجميع، كما هو الحال بالنسبة إلى مشروع القانون المالي.بدر الدين عتيقي