من المؤكد أن عبد الله الطايع لم يكن الكاتب المغربي المثلي الوحيد، لكنه في المقابل أول شخص يملك الجرأة ويعلن مثليته على الملأ، ويدافع عن وضعه الذي ليس سوى وضع كثيرين غيره، لم يملكوا الجرأة ليفصحوا عن ميولهم الجنسية، ويدافعوا عنها بكل رزانة وثقة، كما كان الشأن بالنسبة إلى الطايع. الكاتب المغربي الشاب، الذي لم يشأ أن يبني مجده الأدبي على اختياراته الجنسية، رغم أنه كان بإمكانه التركيز على هذه النقطة لخلق إثارة مفتعلة حول شخصه وكتاباته، إلا أنه سرعان ما تجاوز هذا الوضع، ليوطّن اسمه في المشهد الأدبي بروايات وأعمال أدبية لم تكن بالضرورة تبحر في عوالم المثلية. رأى ابن سلا النور 1973، وسط أسرة فقيرة كان الأب فيها مجرد "شاوش" بسيط بالخزانة العامة بالرباط، ويعول أسرة تتكون من تسعة أفراد يقطنون في بيت صغير بحي السلام الشعبي بسلا. لم يستسلم الطايع لواقع الفقر الذي ذاق مرارته، كما عبر عن ذلك في العديد من حواراته الصحافية، بل تابع دراسته الجامعية في تخصص الأدب الفرنسي، الشيء الذي مكنه من امتلاك ناصية التعبير بلغة موليير، قبل أن تتاح له فرصة الانتقال إلى فرنسا لإكمال دراسته هناك نهاية التسعينات. خلال السنوات الأولى لمقامه بفرنسا، واصل الطايع معاناته مع شظف العيش، إلا أنه واصل تحديه، ليخرج إلى الوجود أولى أعماله الروائية التي حملت عنوان "حمرة الطربوش" سنة 2005، وقبلها نشر بضعة نصوص أدبية لم يتسن لها الانتشار. كانت هذه الرواية بمثابة صك ميلاد اسم عبد الله الطايع في دنيا الأدب، وفيها يروي حياته الجديدة في باريس. ويقول عن العاصمة الفرنسية هي مدينة "أحلامي التي تطبعها السينما والكتابة"، لكنها أيضا "مدينة لا ترفعك عن الأرض إذا ما سقطت". توالت بعد ذلك أعمال الطايع الأدبية بدءا برواية "جيش الإنقاذ" الذي تحولت في ما بعد إلى فيلم سينمائي تولى الطايع نفسه إخراجه قبل أن يمنع عرضه في المغرب، بعد أن عرض في مهرجان الفيلم الوطني بطنجة، لتقام ضده حملة شرسة حتى لا يعرض في القاعات السينمائية. كما ألف الطايع كتابا مشتركا بينه وبين فردريك ميتران وزير الثقافة الفرنسي بعنوان "المغرب بين 1600 و1990" وأتبعها بكتاب جماعي أشرف عليه بعنوان "رسائل إلى شاب مغربي" ثم روايته الشهيرة "يوم الملك" التي حصل بفضلها على جائزة "فلور" الأدبية، ورواية "بلاد الموت". يعتبر الطايع المثلية بالنسبة إليه "ليست قضية وإنما حرية فردية. ومن الطبيعي أن أدافع عن المثليين، إذ هم أناس مضطهدون". ويضيف في تصريحات إعلامية "ليس عيبا أن أكتشف أنني مثلي جنسيا منذ صغري، وهذا يجعلني أختلف عن أمي وأخواتي وأخي، ولكني مختلف جنسيا فقط ولست مختلفا عنهم بالثقافة في الفقر الذي عشناه كلنا، لست مختلفا في طريقة تعاملي مع الأرض ومع الأسياد ومع السماء. هذا الشيء مهم جدا للكاتب أن يعرف أين هي حقيقة شخصيته، والتكلم عن المثلية الجنسية كواقع. يجب تغيير نظرة المجتمع العربي للمثليين لأنهم أناس من حقهم العيش لا أقل ولا أكثر. أنا مثلي وجئت إلى باريس لأنني أعرف أن هناك حرية ويمكنني أن أعيش حرية جنسية، ولكن هذا التحرر النفسي لا يمنعني من رؤية أن بعض المهاجرين الآخرين لا يملكون الحرية لأنهم لم يقرؤوا فولتير أو فيكتور هوغو أو رامبو". عزيز المجدوب