عاشوراء تنعش “بزنس” المفرقعات

"درب عمر" نقطة تسويق الألعاب النارية ومنع الداخلية يلهب الأسعار تتحول أزقة وشوارع المدن سنويا إلى جبهات حربية صغيرة. الانفجارات تلعلع هنا وهناك، وروائح البارود ومواد أخرى، حتى الكيميائيون يحتارون في تحديد هويتها، تشكل مكونات خلطة فريدة، ملحها الألعاب النارية، وترسم رفقة طقوس أخرى ملامح احتفالات عاشوراء، التي ينشط خلالها الاتجار في مختلف أنواع المفرقعات، إلا أن هذه التجارة التي تدر على أصحابها أرباحا بالملايين، خصوصا تجار الجملة، أصبحت في حكم المحرمة خلال السنوات الأخيرة، لدواع أمنية، في ظل غموض استمرار تدفق هذا النوع من الألعاب، التي تشكل خطرا كبيرا عند أي خطأ في استغلالها. إنجاز: بدر الدين عتيقي سوق "درب عمر"الشهير وسط البيضاء، نقطة تمركز تجارة الألعاب النارية، ونقطة تصريف كميات كبيرة من السلع، التي يجهل بائعو التقسيط مصدرها أو كيفية دخولها إلى السوق. تتناغم أصوات الباعة مع هرج ومرج الصبية الصغار، الذين انزووا في ركن خاص، وشرعوا في الترويج لسلعهم، ومنهم من لجأ إلى أحدث تقنيات "الماركوتينغ"، إذ يعرض على زبونه إمكانية تجربة السلعة قبل اتخاذ قرار اقتنائها من عدمه. نبيل، تلميذ وجد ضالته في هذه التجارة، وقرر استغلال مناسبة عاشوراء لتحصيل ربح يعينه على مصاريف التمدرس. يطوي المسافات يوميا منذ حوالي أسبوع، جيئة وذهابا من المدينة القديمة إلى السوق، لبيع ما تيسر من سلع لديه.نبيل وغيره من الصبية، احترفوا هذه التجارة عن طريق الاحتكاك بغيرهم من القاصرين، الأكبر منهم سنا، "احنا كنبيعوا القنبول من زمان..."، يقول الصبي بنبرة تختزل فخرا وتباهيا بما يصنعه رغم حداثة سنه، إنها لذة البيع والشراء والتجارة، التي تزرع في نفس الصبي نضج الكبار، إلا أن جرأة هؤلاء التجار الصغار، لا تخفي علامات التوجس البادية على وجوههم، حين يكثر الاستفسار حول سعر السلع ومصدرها. تزيغ الأعين في اتجاه اليمين والشمال، فالكل يترقب مداهمة مفاجئة لرجال الأمن بين الفينة والأخرى. "البوليس تا ياخذو لينا القنبول وكيطلقونا..."، بهذه الكلمات "الماكرة"، حاول الصبي سعد، إخفاء تحليله الخاص لمآل ما يتم حجزه من ألعاب نارية. "داعش"بيننالطالما تفاعل التجار المغاربة بالهزل مع الظواهر الاجتماعية التي تستحوذ على اهتمام الناس، ووظفوها في تجارتهم، سواء على مستوى تسمية المنتوجات أو طرق التسويق لها، فالملابس تحمل أسماء هذه الفنانة أو تلك، وهذه الأواني اتخذت من مسلسل أو فيلم شهرتها. في تجارة الألعاب النارية، وجد لاعبو كرة القدم العالميون مكانا لهم، بل حتى تنظيم دولي يوصف بالإرهابي، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، سجل بصمته هذا الموسم، كناية عن قوة الصوت الذي يحدثه تفجير أحد أنواع المفرقعات، التي تسربت إلى السوق حديثا. أبدى الصبية إعجابهم بـ"داعش"، عند سؤالهم عن أكثر الألعاب طلبا في السوق، فهذه اللعبة تحقق ذروة النشوة عند تفجيرها. صوت قوي يلعلع في الشارع، ويربك المارة، وقد يخيف بعضهم أيضا، بما يوفره من إحساس بالقوة، إنها تفاصيل صغيرة تساهم في رسم معالم شخصية الطفل، الذي يرى في اللعب بهذه المواد الخطرة ضربا من ضروب الشجاعة والجرأة. عبد اللطيف، إطار بنكي، قرر مرافقة ابنه خلال اقتناء الألعاب النارية لمناسبة عاشوراء، مفسرا هذا التوجه بالقول، إني "اتخذت قرارا بالإشراف على لعب أبنائي بالمفرقعات، ذلك أن حضوري سيضمن عدم استخدامها بشكل خاطئ، وسيجنبهم أي ضرر محتمل منها، عوض منعهم أو حرمانهم من اللعب بها"، مؤكدا بهذا الخصوص، "أن الممنوع مرغوب دائما". أسعار حارقة بعيدا عن خطورة الألعاب النارية وغموض مصدرها، تظل الأسعار المعروضة خلال الاحتفالات الحالية لمناسبة عاشوراء حارقة، خصوصا بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود، رغم تنوع العرض، إذ يصل سعر بعض الألعاب إلى ألف و500 درهم للوحدة، يتعلق الأمر هنا بالشهب الاصطناعية، التي يندر توفرها في السوق لدى أي بائع، فيما لا يتجاوز سعر أنواع أخرى من المفرقعات "الشعبية"700 درهم، وهو الواقع الذي يعلق عليه عبد اللطيف، الأب الذي اختار مواكبة أبنائه في اللعب، بالقول، "إن الأسعار المعروضة تظل غير معقولة، فكيف لطفل أن يتحمل تكاليف اقتناء المفرقعات، وهنا أدعو السلطات إلى السماح بترويجها بشكل مدروس في السوق، بدل منعها، وفسح المجال أمام المهربين للبيع بالسعر الذي يختارونه".وغير بعيد عن سوق "درب عمر"، اختار حسن، التمركز في أحد أزقة منطقة "بنجدية"القريبة. يقف متسمرا عند زاوية الزقاق. يشيح بنظره ذات اليمين وذات الشمال، مترصدا أي زبون محتمل، ليوقفه بابتسامة لا تخفي رداءة هندامه أو شكله المخيف، فبنيته القوية تمنحه حصانة ضد أي منافس يفكر في مشاركته المنطقة. يسأل كل رجل أو امرأة مرفوقين بأبنائهم، عن حاجتهم إلى مفرقعات، وعملية استعراض السلع وأسعارها لا تقتطع من زمن المحادثة إلا ثوان معدودات. حرفية اكتسبها الشاب من ممارسة التجارة عموما، مفسرا التحول إلى "بيزنيس"المفرقعات خلال عاشوراء بالقول، "الرباح كثير مع القنبول، لأنه كيتستهلك بزربة، والكليان ديالو دراري صغار".وأمام ارتفاع الأسعار، هناك من الصبية من يلجأ إلى "الصناعة التقليدية"، إذ يقوم سهيل مثلا، بصنع مفرقعاته الخاصة، عبر ملء قنينة كبيرة بالكربون والبول ووضعها في مكان ساخن لتنفجر، أو يقوم بقطيع قناني المشروبات الغازية الحديدية إلى قطع صغيرة، لاحتوائها على نسب مهمة من الألمنيوم، ثم مزجها في قنينة حمض نتريك، ورجها بقوة حتى تنتفخ، إيذانا بقرب انفجارها."ميسي"و"زيدان"يلتهب سوق المفرقعات قبيل مغيب الشمس بدقائق، فالكل يحتاج إلى تصريف ما لديه من سلع، وهي الفترة التي يحبذ الزبناء استغلالها، إذ تشهد تخفيضا في الأسعار وعروضا تجارية فريدة، من قبيل عرض وحدتين من المفرقعات بسعر واحدة، أو تخفيض أسعار بعضها بنسبة قد تصل إلى 70 %، بهدف التخلص من السلعة، التي تتعرض للتلف بسرعة، إذا تم تخزينها في مكان غير مناسب، وهو المغزى من تسريع التخلص منها، إذ يبادر المشتري إلى السؤال قبل أي شيء عن جودة المفرقعات بالصيغة التالية، "ياك ما باردة ؟"، كناية عن قدمها لدى البائع، بما يصعب تفجيرها بسبب برودة مادة البارود، المكون الرئيسي لأغلب المفرقعات المسوقة.تنضح لائحة المنتوجات المسوقة في السوق بمجموعة من أسماء الشهرة، التي تنحو مبلغ الطرافة، إذ يتم تسويق مفرقعات "كريستيانو"و"ميسي"و"زيدان"، وكذا "نيمار"، الأكثر طلبا في السوق، بسعر يتراوح بين 15 درهما و20 لـ"الكاخة"أو العلبة، التي تحوي 60 وحدة، فيما يصل سعر بيع "غراناد"بالجملة، إلى 20 درهما للعلبة، وتباع بالتقسيط بسعر 35 درهما، وهو سعر البيع الخاص بمفرقعات "داعش"، إذ تحوي العلبة عشر وحدات، في الوقت الذي تسوق مفرقعات "بوكيمون"بسعر جملة في حدود 70 درهما للعلبة، التي تضم 100 وحدة صغيرة، تباع كل واحدة منها بالتقسيط بدرهمين، بينما تفرض مفرقعات "السيكار"وجودها في السوق، بسعر يتراوح بين خمسة دراهم وثمانية للوحدة. الممنوع مرغوب يعيش الصبية منذ سنوات حالة عشق ممنوع مع الألعاب النارية بمقتضى دورية لوزارة الداخلية، أعقبت أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية الأليمة، منعت تداول الألعاب النارية وترويجها، علما أن هذا النوع من السلع، كان مسموحا باستيراده ومدرجا في قرار وزير التجارة الخارجية رقم 94 1308-، المتعلق بلائحة السلع موضوع إجراءات تقييد كميات الواردات والصادرات، وهو ما يؤكده أحمد نزيه، خبير في مجال التعشير، بالقول، "إن المفرقعات كانت تحتل موقعا مهما في لائحة السلع المضمنة في القرار، وكانت موضوع رخصة استيراد"، مؤكدا أن الوضع تغير اليوم ولم يعد بالإمكان استيراد مثل هذه السلع، الأمر الذي يوضح بالضرورة، أن المفرقعات التي تروج في السوق حاليا مهربة.وبالعودة إلى حسن، الذي يسيطر على تجارته في زقاق قريب من سوق "درب عمر"، فهو حذر جدا في ما يخص الاحتفاظ بسلعته، إذ يخزنها في حاوية صغيرة للقمامة قرب أحد المحلات، ويعمد إلى الاتفاق حول بيع السلعة قبل الانتقال بالمشتري إلى مكان تخزينها، بما يجنبه مشاكل الاصطدام برجال الأمن، ذلك أن دوريات من فرق الصقور، تباغت الباعة بين الفينة والأخرى، في الوقت الذي تظل منابع المفرقعات الرائجة في السوق مجهولة، إذ تؤكد مصادر "الصباح"، أن مصدرها تصريحات جمركية مغلوطة، فيتم تهريبها من قبل مستوردين في حاويات، إلى جانب سلع أخرى من ميناء الدار البيضاء، كما يتم تهريب صناديق من المتفجرات، عبر رميها في عرض البحر من قبل بواخر صينية، ليتكفل مهربون متخصصون في جلبها إلى الشواطئ.

عاشوراء تنعش “بزنس” المفرقعات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التحقيق مع أفراد عصابة روعت فاس

بكنباور … سقوط القيصر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات