أكد عدد من الفاعلين في مجال العقار بطنجة، أن برنامج السكن الاقتصادي، الذي أطلقته الدولة، عند أواخر القرن الماضي، بغرض التخفيف من الضغط السكني بالمدينة، لم يف لحدود اليوم بالغرض المنشود، بناء على مجموعة من الاختلالات العميقة التي شابت تدبير هذا القطاع، وعدم توفر جل المشاريع المنجزة على الحد الأدنى من معايير السكن الصحي والمريح.فمدينة البوغاز عرفت منذ بداية العقد الأول من هذا القرن، تناسل هذه المشاريع السكنية، التي هي عبارة عن نمط تعمير حضري لا يتماشى تماما مع خصوصية المواطن المغربي، إذ تحول، في السنوات الأخيرة، إلى أحياء شبه عشوائية مقننة تعترف بها الدولة، رغم افتقارها إلى جل المرافق الأساسية، مثل المدارس والصيدليات والمستوصفات والمراكز التجارية والمساحات الخضراء ومرافق للعب الأطفال، بالإضافة إلى انعدام الأمن وارتفاع نسبة التوترات الاجتماعية، ما جعلها تتحول إلى بؤر خطيرة لتفريخ الإجرام والمجرمين.فمنذ انطلاق ثورة العقار بالمدينة، وبروز مشاريع السكن الاجتماعي بالمنطقة، أبدت شريحة واسعة من المواطنين ذوي الدخل المحدود، استحسانهم وانخراطهم في هذا البرنامج، الذي اعتبروه وسيلة للرفع من العرض العقاري، وضمانة لتمكين كافة الشرائح الاجتماعية من امتلاك سكن لائق تتوفر فيه شروط الحياة الكريمة، إلا أنهم اصطدموا بواقع يشوبه الغموض، ويتميز بالمضاربة والمنافسة غير الشريفة، بسبب انعدام روح المسؤولية وضعف الأخلاق المهنية لدى بعض المسؤولين والمتعاملين، مما جعل هذا القطاع يحتل الرتب الأولى من حيث انتشار الفساد والرشوة. وأجمع كل المتتبعين، أن هذا المجال يتميز في مدينة طنجة عن باقي المدن المغربية بتجاوزاته الفريدة، التي تمارس يوميا بدءا مما يحصل داخل أوراش البناء، وصولا إلى كافة أنواع التجاوزات الأخرى المتصلة بتصاميم البنايات والتلاعب بكميات المواد المستعملة كالحديد والخرسانة وما يشوبها من تغيير عند التطبيق، بالإضافة إلى الغش والتدليس في هذه المنتجات لخفض التكاليف بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة، وذلك في غياب تام للجهات المسؤولة عن الرقابة.فالباحث عن وحدة سكنية في أي منطقة من المدينة يتفاجأ عندما يعلم أن كل العقارات التي مازالت في طور الإنشاء تم بيعها قبل انتهاء أعمال البناء، لأن الجميع يعلم أنها خدعة تستخدم لجعل كل الباحثين عن السكن يرضخون لضغوطات ومطالب المضاربين والمنعشين العقاريين، الذين يزداد جشعهم ويندفعون لممارسة الغش والتلاعب في بناء الوحدات السكنية دون مراعاة أدنى المواصفات والاشتراطات الواجب توافرها بالمباني والشقق، التي يضعون لها لوائح أسعار علنية وأخرى سرية تدفع من تحت الطاولة، دون أي ضوابط قانونية أو أخلاقية، سعيا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح. وأكد جل المواطنين، الذين التقتهم "الصباح"، أن إعادة الثقة بهذه المشاريع أصبح رهينا أولا بالوقوف في وجه لوبيات العقار، التي تمنحها الدولة امتيازات كبيرة على رأسها الاستثناءات الضريبية والأراضي التي تقدم لها بأسعار زهيدة، ثم القضاء نهائيا على السوق السوداء والتحكم في الأسعار، التي بلغت في ظرف وجيز مستويات خيالية، بالإضافة إلى منع بعض السماسرة والمضاربين، من اقتناء شقق من فئة "السكن الاقتصادي" للاستثمار فيها، وذلك حماية للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، وتمكين الفئات المستهدفة من الحصول على سكن مناسب بسعر معقول.كما طالبوا بألا يعالج الخصاص بمنطق كمي مجرد من شروط السلامة والجمالية والمرافق المصاحبة، لأن تشييد مركبات السكن الاجتماعي دون مدارس ومستشفيات وفضاءات ثقافية ورياضية ومنتزهات وغيرها، لا يعالج الإشكال بقدر ما يساهم في خلق بؤر لإشكاليات اجتماعية مستقبلية خطيرة. من جهة أخرى، أقر عدد من المنعشين العقاريين بالمدينة، بأن برنامج السكن المنخفض التكلفة بالمنطقة الشمالية اعترضته صعوبات وإكراهات منعته من تحقيق الأهداف المسطرة، ومن أهمها ندرة العقار وغلائه بداخل المدينة، وكذا افتقار الأراضي الموجودة خارج المدار الحضري للتجهيزات الأساسية والبنيات التحتية اللازمة، وكذا ارتفاع أسعار المواد الأولية الأساسية كالحديد والإسمنت والخشب، بالإضافة إلى النقص في الاحتراف والمهنية والتخصص لدى بعض شركات الإنعاش. ودعا المنعشون العقاريون، إلى العمل بمنهجية واحترافية للرفع من دينامية الإنتاج وامتصاص العجز السكني المتراكم، سيما أن جميع ثوابت القطاع متينة بفعل الطلب المتزايد على السكن بصفة عامة، مؤكدين أن الظروف الحالية، والتسهيلات التي وضعتها الدولة، تحتم على الجميع الانخراط بجدية لحل كل الإشكالات التي تعترض منظومة التعمير، وتنمية سياسة الحد من انتشار السكن غير اللائق ببلادنا.المختار الرمشي (طنجة)