تبدو "ديور الكرا" و"براريك القصدير"، أرحم لسكان اختاروا السكن الاقتصادي بديلا عنها، دون أن يتوقعوا الغرق في مشاكل متناسلة ومستفحلة لا حصر لها حولت أملهم في سكن لائق، إلى كابوس يومي أرقهم، دون أن تنفع صيحات حناجرهم المبحوحة، في إيجاد آذان صاغية لآلامهم.غالبيتهم انبهروا لإشهار خادع لمنتوج سكني تشوبه عيوب بنيوية وهيكلية. هرعوا مهرولين بحثا عن "قبر دنيا" يقطع مع ترحالهم من "دار لدار" كما خادمة لم تجد حضنا دافئا لمعاناتها. حماسهم أنساهم تلمس طريق الجودة في ما اختاروه، قبل أن يستفيقوا متأخرين، حين لا ينفع الندم في شيء.مقتنو بعض الشقق صغيرة الحجم، بمواقع مختلفة، فوجئوا بهشاشتها ووجود تشققات خارجية وداخلية بأسوارها لانعدام الأساسات الصحيحة المستجيبة لمتطلبات السكن اللائق، واستعمال مواد بناء ونجارة دون الجودة المطلوبة يمكن تلمسها بالأبواب والنوافذ غير كافية للتهوية اللازمة. بعض المحشورين فيها، شبهوها ب"السجون" الحاجبة شمس "السكن اللائق" عن قاطنيها، رغم عدم تقييد السكنى بها بحرية القاطن، محملين بانيها من مؤسسات وشركات التعمير المتنافسة، مسؤولية تلك الاختلالات والخروقات، التي تخدش سمعة برنامج السكن الاجتماعي الهام. لم يقف جشع شركات/"غول" العقار بما فيها المحدثة للقطع مع الصورة القاتمة التي رسمتها سابقاتها، عند تقليص مساحة تلك الشقق بشكل يتنافى أحيانا مع العقد الموقع مع الزبناء، بل لم تحترم أبسط الشروط الواجب توفرها في تلك المباني التي قد تتحول إلى قبور لقاطنيها، بما فيها توفير الجودة.احتجاجات سكان مجمعات سكنية بفاس ومولاي يعقوب، لم تقف عند هذا الحد، بل استحضرت الغش في البناء واختلالات قنوات الصرف الصحي، ما أغرق أقبيتها في برك من المياه العادمة، بعضها ناتج عن تسربات للمياه اختنقت بها المجاري التي لم تطق تدفقها وانتفضت كاشفة هشاشة البناء.صيحات الغضب ارتفعت من مواقع مختلفة بزواغة والضحى وغيرهما، مطالبة بتدارك العيوب وإصلاحها، لتلافي هجرة قاطنيها على غرار حالات أخرى فضلت بيع شققها والاستقرار بأحياء أخرى، سيما من توفرت لهم إمكانيات "التغيير"، عكس المغلوب على أمرهم، ممن يواجهون قدرهم.وإن كانت بعض تلك المباني تهدد بكوارث إنسانية وشيكة، فإن ظروف تناسلها بمواقع مختلفة إن في إطار إعادة إسكان قاطني الدور المهددة بالانهيار أو دور الصفيح أو الباحثين عن سكن في متناول جيوبهم، تثير التساؤل والاستغراب سيما أمام غياب البنيات الضرورية الموازية لمثل هذه التجمعات السكنية.أشكال الغضب تختلف من حالة إلى أخرى، كما حال سكان حي الأمان بحي المسيرة، الذين لم يتركوا بابا إلا وطرقوه أملا في إنصافهم بتوفير فضاءات لازمة بما فيها المسجد والملعب والمدرسة الابتدائية والحدائق، وحتى مصابيح الإنارة العمومية المفقودة أو المكسرة دون أن يطولها الإصلاح.وتزداد معاناة سكان هذه التجزئة ببروز مخاطر تحدق بهم، بفعل تكرر حوادث انفجار قنوات الصرف الصحفي المهترئة بالطوابق تحت أرضية لبعض العمارات، ما يجعلهم يعيشون حالة قلق يومي يزداد تأججا في الأيام الماطرة، حيث تزداد الروائح الكريهة، خنقا للأنفاس. حميد الأبيض (فاس)