لايمكن الحلول محل الدولة في المراقبة

خشيع المحامي بهيأة خريبكة أكد أن ما يعاش اليوم يشكل تراجعا خطيرا على كل المكتسبات التي حققها المغرب أجرت الحوار: كريمة مصلي يرى عبد الصمد خشيـع، محام بهيأة خريبكة، أنه لا يمكن لأي شخص أن يحل مكان الدولة في مراقبة الحقوق والحريات تحت أي مسمى، وأضاف في حوار مع «الصباح» أنه إذا أبيح للأفراد التدخل في كل ما يمكن أن يصدر من سلوكات للفرد أو الجماعة في إطار الحريات الخاصة التي ينظمها القانون، فإن ذلك يدفع إلى قيام العنف ويذكي النزعة العدوانية اتجاه الأفراد في ما بينهم. في أي خانة يمكن أن نضع الاعتداءات الفردية أو الجماعية على الأشخاص أثناء ممارسة حرياتهم وفق ما يتماشى مع قناعتهم؟ في مقاربتنا لموضوع العنف الممارس على الأشخاص من لدن فرد أو جماعة، متى كان ذلك بفعل سلوك تم في إطار حرية محكومة بقناعة ما، قد تثير غضب الشارع، أو تدفعه إلى الاستغراب، لابد من التأكيد على أن هذا محظور إطلاقا بنص الدستور، وتحديدا الفقرة 1 من الفصل 22، الذي يؤكد على أنه «لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة....» مهما كانت الضرورات الداعية إلى ممارسة العنف على الأشخاص، سواء دينية أو عقدية بدافع الغيرة، أو اجتماعية بدافع الحفاظ على الأخلاق العامة، أو أمنية بدافع الحفاظ على الأمن العام. ولكن الحالات المعاشة تعطي الانطباع أن هؤلاء استطاعوا نزع هيبة الدولة؟ لا يمكن أن ننزع من الدولة هيبتها وقدسيتها، وأن تشكل تلك الاعتداءات بديلا عن تطبيق القانون، وتفرغ الدولة من مؤسساتها، ولا أدل على ذلك أن المشرع في قانون المسطرة الجنائية منع كل شخص غير مؤهل قانونا أن يغير حالة المكان الذي وقعت فيه الجريمة، وأن يقوم بإزالة أي شيء منه، قبل القيام بالعمليات الأولية للبحث القضائي (المادة 58 من م.م.ج) فأحرى الاعتداء على الجاني نفسه، إذا افترضنا أن ما قام به يكتسي صبغة جرمية في القانون الجنائي، أي بمعنى أنه لا يجوز لأي شخص لا يملك صفة قانونية التدخل أثناء ارتكاب فعل قد يعتبر جريمة، فأحرى أن يتم الاعتداء على الجاني وإهانته، على خلفية مسألة تتعلق بحرية شخصية ، قد لا تتماشى مع نمط معين أو عقيدة معينة أو جماعة ما. لكن ما هي الآثار المترتبة عن هذه الاعتداءات إذا طالت فردا أو عدة أفراد، أثناء قيامهم بمظاهر سلوكية شاذة أو تزيغ عن المألوف؟ يمكن أن تختزل هذه الآثار في مستويين، المستوى الأول: المس بثوابت الدولة، فإذا كانت الدولة تسعى في أن يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها ( المادة 19 من الدستور)، فلا يمكن لأي شخص أن يحل مكان الدولة في مراقبة تلك الحقوق والحريات، واعتبار بعضها مباحا وبعضها محظورا ، ذلك أن مصدر القاعدة الجنائية هو التشريع، بحيث أن السلطة التشريعية هي التي تحدد الأفعال التي تعتبرها من قبيل الجرائم، وتعيين العقوبات الخاصة بها، وبالتالي فإن أي تدخل لأي جهة كانت في تقييم حريات الأشخاص وتأطير سلوكهم ، هو بمثابة مس بمؤسسات الدولة وثوابتها، وخارج إطار القانون، مهما تحكمت الدوافع المبررة لهذا التدخل. أما المستوى الثاني، فيخص إشاعـــة فكر التطرف، فإذا أبيح للأفراد التدخل في كل ما يمكن أن يصدر من سلوكات للفرد أو الجماعة في إطار الحريات الخاصة التي ينظمها القانون، فإن ذلك يدفع إلى قيام العنف ويذكي النزعة العدوانية اتجاه الأفراد فيما بينهم، لمجرد أن موقفا أو رأيا أو مظهرا يتعارض مع مبادئ فئة معينة أو جماعة ذات توجه ديني متشدد، وهو ما يعرف بالتطرف في القناعات والمواقف ، ما قد يؤدي إلى إفراغ الدولة من مؤسساتها الشرعية في تدبير شؤون الفرد والجماعة وتأطير سلوكها وفق القانون فتعم الفوضى بدل النظام. ولعل أولى النماذج الدالة على ذلك، هو ما نشاهده من اعتداءات على الأفراد بالضرب والتنكيل، لمجرد أن سلوكا تم خارج المألوف، مع العلم أن المحدد الأساسي لذلك السلوك هو القاعدة القانونية التي تجيزه، أو تعاقب عليه بواسطة السلطة القضائية. دولة القانون دولة القانون تتركز على المؤسسات الدستورية، ومؤسسات قانونية وإدارية تمارس صلاحياتها، وفق الضمانات وفي إطار احترام الحريات والثوابت بكل شفافية، ويخضع لها الجميع بشكل متساو دون أي تمييز أو استثناء، وهذا ما يجب على المواطن أن يعيه، بعيدا عن الأحداث الفجائية التي تقع بين الفينة والأخرى، والتي تحاول أن تكرس مفهوم دخيل، تحت ذريعة حماية الحريات. ومن هنا، فالأحداث التي شهدتها فاس، أو إنزكان، أو بومية لا يجب التعامل معها ببساطة، لأن من شأن ذلك أن يزكي ظاهرة العنف داخل المجتمع ، وهي مسائل خطيرة بالنظر إلى نتائجها السلبية على أمن المواطنين وحرياتهم، وهو ما دفع الدولة بالتدخل من خلال بياني وزارتي الداخلية والعدل، توعدتا فيه كل من يحاول أن يطبق العدالة بنفسه بالمتابعة القضائية. عدالة الانتقـــــام بعد أن قطع المغرب مراحل مهمة في إذكاء قيم التسامح والعدالة التصالحية بين الدولة والأفراد وبين الأفراد فيما بينهم، أضحى ما نشاهده اليوم من اعتداءات لبعض المواطنين على مواطنين آخرين بعلة حماية التقاليد والأعراف والأخلاق والآداب العامة تراجعا خطيرا على كل هذه المكتسبات، ونزوعا نحو تكريس العدالة الخاصة أو عدالة الانتقام، أو ما يسمى بقانون الغاب، إذ أصبح المتحكم الأساس هو إرضاء رد فعل أهوج تجاه ظاهرة معينة، مما يساهم بشكل كبير في إشاعة الفوضى وتغذية روح الانتقام والقصاص الفردي والجماعي، دون سند شرعي أو قانوني، ولنا في السيرة النبوية ما يناهض هذا الطرح، أي الأخذ باللين والسداد وإسداء النصح بالتي هي أحسن ، بخلاف ما يحاول البعض تبريره بالسب والقذف والاعتداء الجسدي. في سطور محام بهيأة المحامين بخريبكة مدير المجلة القانونية البذلة

لايمكن الحلول محل الدولة في المراقبة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محاكمة شاب بتهمة قتل خليلته بالمحمدية

خارج الحدود

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات