كثيرة هي الطرائف المهنية التي تمر خلال العمل اليومي على عدد من العدول، تختلف باختلاف الزبناء وعقلياتهم، إذ أن منهم من يؤمن أن العدل في بعض الملفات هو المشرع وكل ما يقوم به هو من صنع يديه، والحديث عن القانون أو المشرع ليس إلا من صنيعه، ومن ثم تبدأ المشكلة. بغـيـت نـتــزوج وقفت فتاة في ربيعها السابع عشر أمام باب عدل بحي شعبي، مذهولة وقبل أن يسألها عما بها، وما جدوى وقوفها بباب مكتبه، خاطبته "بغيت نتزوج". استغرب العدل من كلام الفتاة خاصة أنها كانت لوحدها ولم تكن تحمل معها أي وثائق وهندامها كان مختلفا بعض الشيء إذ لم تكن تلبس الحذاء نفسه في رجليها، وحاول استفسارها عما تريده بالضبط فرددت الجملة نفسها على مسامعه وظلت ترددها كلما حاول استفسارها. بدأت الشكوك والأفكار السوداء تدور برأس العدل الذي لم يفهم مغزى طلبها، وهل هي بكامل قواها العقلية أم لا، وكيف يمكن له أن يتعامل معها. طلب منها الجلوس لكنها رفضت وظلت تردد الجملة نفسها، "بغيت نتزوج". استعاذ العدل بالله من الشيطان الرجيم، وطلب من زوجة أحد زبنائه التي كانت بالمكتب أن تحاول استفسارها عما بها ولماذا لا تنطلق إلا الجملة نفسها. ساعتها تدخلت تلك المرأة وخاطبت الفتاة بطريقة لبقة جدا وطلبت منها الجلوس بجانبها، وما إن جلست حتى دخلت في حالة هيستيرية من البكاء، زادت الطين بلة إذ لم يفهم أي شيء من الحديث الذي كانت تقوله. ظلت على تلك الحال لأزيد من نصف ساعة حتى استرجعت أنفاسها، فسألها العدل ما بها وماذا تريد منه فأخبرته بالجملة نفسها" بغيت نتزوج"، ساعتها ثارت ثائرته وقال لها "وأنا مالي بغيتي تزوجي سيري قلبي على راجل"، فأجابته أنه "أنت من تقف في وجه زواجي أنت لي ما بغيتيش". لم تعد أعصاب العدل تتحمل ما تتفوه به الطفلة، فاتجه نحوها وطلب منها مغادرة المكتب فرفضت وقالت له "ما خارجاش منها وعيط للبوليس".كانت تلك الجملة كافية لإثارة شكوك الموجودين بالمكتب وعلاقة العدل بالفتاة، وهل تربطهما أي علاقة غير شرعية، وهل سبق أن وعدها بالزواج؟ وغيرها من الأسئلة التي كانت تتناسل في أعين الموجودين، والتي قرأها العدل دون أن يسمعها منهم. حاول ضبط أعصابه وتوجه نحو الفتاة من جديد، وفي تلك اللحظة حضرت امرأة في الخمسينات من عمرها، وتوجهت نحو الفتاة التي ما إن رأتها حتى انهارت من جديد وشرعت في البكاء، وحاولت المرأة إخراجها من المكتب لكنها رفضت، ساعتها تدخل العدل بحزم وطلب منها أن تفسر له الأمر، وإلا لن تغادر المكان. جلست المرأة بجانب الفتاة وأخبرته أنها والدتها، وان ابنتها دخلت منذ يومين في حالة هستيرية بعد أن أخبرها خطيبها وهو ابن عمها على أنهما لا يمكنهما الزواج في تلك السنة وكانت هي قد شرعت في تحضير مستلزمات عرسها، وأن الزواج سيتأخر سنتين على اعتبار أنه يعيش في بلد أوربي ولا يزور المغرب إلا مرة كل سنتين، وأخبرها أن سبب التأجيل هو صغر سنها لأنها لم تكمل بعد الثامنة عشرة و لا يمكنه عقد قرانه عليها، ولما سألته عمن أخبره بذلك قال لها إن العدل الذي يوجد في الحي هو من أخبره بالشروط الواجب توافرها لعقد الزواج ومنها الرشد، ساعتها جنت واعتبرت أن العدل هو من يقف في وجه زواجها.كريمة مصلي