صدق سقراط حينما قال لأحد تلامذته الذي دخل القسم وهو يتبختر في مشيته، يزهو بنفسه وبوسامة شكله، "تكلم حتى أراك"، مثلما نجح فيلم نبيل عيوش في كشف نوايا البعض وما يخططون له بليل، كما كشف تصورهم للشكل الذي يجب أن يكون عليه البلد ورفضهم للحرية والاختلاف في الرأي.لغط كثير خلفه فيلم نبيل عيوش، بين معارضين اعتبروا أن الفيلم يمس بالأخلاق ويخدش الحياء ويسيء إلى المرأة المغربية، ومؤيدين يرون أن الفن لا حدود له وأن اقتحام الطابوهات وتكسيرها من المهام الأولى للفنان. بعيدا عن كل هذا اللغط سنتوقف عند بعض ردود الفعل غير العادية التي صاحبت هذا اللغط، الذي قد يعتبر شيئا عاديا في بلد تسيطره عليه العادات والتقاليد.أولى ردود الفعل وأخطرها، والتي لم ينتبه الكثيرون إليها، هو التهديدات بالقتل التي تلقتها لبنى أبيضار، إحدى المشاركات في الفيلم، كما جاء على لسانها. نعم التهديد بالقتل وليس فقط مجرد السب والشتم، تلاه الجهر، من قبل البعض، بتكفيرها وتكفير كل شخص له صلة من قريب أو بعيد بالفيلم، مثلما تلقى زميل لها، جسد دور شاذ في الفيلم، تهديدات بالقتل وسبا وشتما، أكد أنه تجاوز في خدشه للحياء تلك الكلمات التي رددها في الفيلم.نعم في مغربنا الحبيب، بلد التسامح والوسطية والاعتدال هناك من يهدد الغير بالقتل ويكفره دون أن تتحرك أي جهة لتطالب بفتح تحقيق في مسألة بهذا الحجم من الخطورة، ودون أن يستنكر أحد هذا التطرف والفكر الإرهابي الذي بدأ يتغلغل في المجتمع رويدا رويدا، مركزين كل الاهتمام على بضع كلمات بذيئة استعملت في الفيلم.لماذا لم يتحرك المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، للمطالبة بالتحقيق في التهديدات التي قالت أبيضار إنها تلقتها من قبل مجهولين؟ ولماذا لم يتحرك المصطفى الخلفي ليصحح بعض المفاهيم ويخبر هؤلاء الذين دفعتهم الحماسة والجهل أحيانا، إلى تكفير الناس وتهديدهم بالقتل، مثلما تدخل لإلغاء عرض الفيلم في المغرب، حفاظا على الأخلاق؟ أليس التهديد بالقتل مس فظيع بالأخلاق وبالنفس التي حرم الله أن تقتل بغير حق؟المسألة الثانية الخطيرة هي العودة لاستغلال بعض المنابر الدينية في الهجوم على فيلم عيوش، وهو ما يؤشر على أن ليس في القنافذ أملس، وأن البعض "يسايسنا" في هذا المجتمع إلى أن تحين اللحظة المناسبة للانقضاض علينا وتطبيق شريعة الله بالشكل الذي يفهمه، والبعيد طبعا عن مفاهيم من قبيل الحرية والإبداع والاختلاف في الرأي. . المسألة الثالثة التي أثارها فيلم عيوش، هي سلبية الحداثيين أو الذين يدعون ذلك، فقد برز بشكل جلي عدم توفرهم على الجرأة الكافية للدفاع عن حرية التعبير والإبداع، وإبراز وجهة نظرهم بشكل واضح وقوي وبمبادرات حقيقية من شأنها أن تزعزع الفكر المحافظ في هذا البلد.فيلم نبيل عيوش رديء فنيا، تجاوز كل الحدود، يبحث صاحبه عن المال، قل عنه ما شئت من الأوصاف والنعوت السلبية، هذا رأي يحترم من كل شخص يؤمن بالاختلاف، لكن أن يصل الأمر إلى حد التهديد بالقتل فهذا غير مسموح به، وأي تسامح مع مثل هذه السلوكات قد يدخل البلد في نفق مظلم يصعب الخروج منه.الصديق بوكزول