ترى نجاة امجيد، الخبيرة الدولية والناشطة المدنية ورئيسة مؤسسة "جمعية بيتي" أن في تسمية فئة من الأطفال باسم "أطفال الشارع" مساسا بكرامتهم، والأجدر أن نسميهم "أطفالا في وضعية الشارع". وهم، حسبها، كباقي الأطفال، إلا أنهم لا يحظون بالحماية ولا يتمتعون بحقوقهم بين أحضان أسرهم، ما دفعهم لاتخاذ الشارع ملاذا لهم.وآخذت نجاة امجيد، في لقاء أجرته معها "الصباح"، على السياسات العمومية، الخاصة بالطفل المغربي عامة والأطفال في وضعية الشارع خاصة، أنها من جهة سياسات عمودية وليست أفقية ولا شمولية ولا مندمجة، وأنها تعاني غياب رؤية إستراتيجية واضحة وحكامة جيدة، ومن جهة أخرى، هي سياسات لا تخصص ميزانيات ولا موارد بشرية تمكن المتدخلين من حماية الأطفال أينما كانوا ومهما كانوا.وتأسفت هذه الخبيرة الدولية لأن كل حكومة تبلور إستراتيجيتها الخاصة التي يظل تنفيذها، في الغالب، معلقا، وحتى إذا خرجت إلى حيز الوجود، سرعان ما تندثر.وأشارت مؤسسة "جمعية بيتي" إلى أن أوضاع هؤلاء الأطفال غير متشابهة، لذلك، فإن أهم ما ينبغي مراعاته، أثناء التعامل معهم، هو أن كل واحد منهم حالة خاصة تستلزم تعاملا فرديا يأخذ بعين الاعتبار خاصياته ومعيشه ومساره وحاجياته وحقوقه.كما تأسفت هذه الناشطة المدنية لتفاقم أعداد "الأطفال في وضعية الشارع" إذ رغم غياب المعطيات الرسمية، يؤكد كل العاملين مع هؤلاء الأطفال، أن أعدادهم تتزايد وأعمارهم تنخفض.وأشارت امجيد إلى أن هذه الظاهرة في تطور من حيث الجنس: إذ أصبح الشارع يحتضن، بصورة لافتة للنظر، الإناث القاصرات والرضع، ناهيك عن أطفال جنوب الصحراء، ضحايا الهجرة السرية، وأطفال سوريا، ضحايا الحرب الذين أصبح عددهم يتزايد بشكل كبير.ومن حيث الحركية: إذ قبل عشرين سنة، أي منذ تأسست جمعية بيتي، كانت تجمعات الأطفال بالبيضاء معروفة ومعدودة على رؤوس الأصابع، كالميناء وسوق الجملة والمحطة الطرقية والمدينة القديمة. لكن، بتطور العمران بالمدينة، أصبح الأطفال يوجدون أفرادا وجماعات بالدور المهجورة بالأحياء السكنية والمقابر وبفندق لينكولن الذي انهار أخيرا وأودى بحياة شخص بدون مأوى وجرح آخرون.من حيث المخدرات، التي لم تعد مقتصرة على اللصاق أو السلسيون والحشيش ومادة الدوليو، بل تعدتها إلى مواد ثقيلة وخطيرة كالشيرا والمعجون الذي يُخْلط بمواد أخرى حتى يصبح مفعوله أشد، وأيضا الحبوب المهلوسة التي أصبحت، بفعل التهريب، في متناول الجميع، حتى داخل المؤسسات التعليمية.وسجلت امجيد، في حوارها مع "الصباح" أن الترافع من أجل النهوض بحقوق الأطفال، على الصعيدين الوطني والدولي يأخذ حيزا كبيرا من وقت المجتمع المدني، إن لم نقل الوقت كله، بالنسبة إلى الجمعيات التي ينحصر نشاطها في هذا المجال. ومع ذلك، تضيف هذه الفاعلة أن العمل الترافعي يظل غير كاف، ما يستلزم إبرازه ومواصلته، من أجل جعل حماية الأطفال وحقوقهم أولوية في الأجندة السياسية، وأيضا من أجل التصدي للوصم الاجتماعي الذي يعانون منه.ولأن حياة هؤلاء الأطفال، حسب هذه الخبيرة الدولية، تتميز بالتنقل المستمر، من مكان إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، بحثا عن فرص اقتصادية، ولأن أغلبهم يتعرضون، خلال تنقلاتهم، لسوء المعاملة والاستغلال الجنسي، ولأن إعادة إدماجهم أمر صعب للغاية، بالنسبة إلى الذين قضوا سنوات طويلة في الشارع، لأنهم غالبا ما يصيرون مدمنين ويعانون من اضطرابات سلوكية، ويفقدون كل مرجعية، دعت "نجاة امجيد" إلى تفعيل الإستراتيجيات المندمجة لحماية الأطفال، وهي تتضمن إجراءات وقائية، كالدعم الاقتصادي والنفسي− الاجتماعي للأطفال ولأسرهم الهشة، وتسهيل ولوجهم للخدمات الاجتماعية الجيدة، مع وضع معايير لبنيات الاستقبال، وتمكين الأطفال في المؤسسات من بدائل (مثل الأسر البديلة) والتأسيس القانوني لمهن العمل الاجتماعي، كالمربين الخاصين بالشوارع، ووضع آليات للحماية والتكفل المندمج التي يمكن ولوجها بسهولة من قبل هؤلاء الأطفال... كما طالبت "امجيد" بضمان جودة الأعمال والبرامج واستدامتها، وذلك، عبر الدعم المادي المستمر والتأطير المناسب من قبل موارد بشرية مؤهلة.