ناخبو اللحظات الأخيرة!

الغالبية العظمى من الناخبين المصريين ليسوا أعضاء في أي حزب سياسي تشير استطلاعات الرأي المهنية والموضوعية «على قلتها» إلى أن واحداً من كل ثلاثة مصريين على الأقل لم يحسم صوته في الانتخابات الرئاسية بعد! تبدو النسبة كبيرة ولكنها معقولة إذا ما قورنت بالسلوك التصويتي في الدول الراسخة في الديمقراطية. ففي الانتخابات الرئاسية التي أجريت في فرنسا، أخيرا، وقبل أربعة أيام من بدء التصويت كان واحد من كل خمسة ناخبين فرنسيين لم يحسم أمره بعد! وفي إيطاليا وإسبانيا وأمريكا اللاتينية تظهر استطلاعات الرأي التي تجرى في اللحظات الأخيرة أن نسبة تتراوح بين واحد من كل ثلاثة إلى واحد من كل أربعة لا يحددون وجهة صوتهم إلا في اللحظات الأخيرة!وتتعدد أسباب التأخر في تحديد وجهة الصوت، ومنها: أولا، ارتفاع نسبة الناخبين غير المنضمين إلى أحزاب بعينها، وهو الأمر الذي يجعل الناخب مرناً في توجيه صوته، وغير ملزم بالتصويت لحزب معين وهو أمر واضح في الحالة المصرية. فالغالبية العظمى من الناخبين المصريين ليسوا أعضاء في أي حزب سياسي، ولعل عدم انضمام الناخبين إلى أحزاب سياسية بعينها هو الأصل في اللعبة الانتخابية فلو أن كل أو حتى معظم الناخبين انضموا ّإلى أحزاب سياسية لم تكن إذا للدعاية والحملات الانتخابية أهمية كبرى تعويلاً على مبدأ الالتزام الحزبي. ثانيا، ارتفاع نسبة المرشحين المستقلين بحيث لا يعبرون عن حزب بعينه أو أيديولوجية جامدة وهو أمر واضح في الحالة المصرية، فبخلاف الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة لا يوجد مرشح آخر بارز محسوب على حزب سياسي. ثالثا، تشابه البرامج الانتخابية للمرشحين.وفي الواقع أصبحت هذه هي الشكوى الكبرى للناخب المصري، إذ تتشابه البرامج الانتخابية للمرشحين في حديثها عن علاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بشكل يجعل التفرقة بينها أمراً صعباً.ولكن كيف سيحدد ناخب اللحظة الأخيرة مرشحه؟ وما هي الوسائل التي قد يستخدمها المرشحون لجذب هذه الأصوات لانتخابهم؟ في ضوء الخبرات المقارنة - وآخرها الحالة الفرنسية - فإن ناخب اللحظات الأخيرة «غير المسيس» سيحدد وجهته وفقا لثلاثة محددات: أولا، يذهب ناخب اللحظة الأخيرة عادة إلى منطقة الوسط بحيث يتجنب «غالبا» التصويت أقصى اليمين أو أقصى اليسار. ثانيا، يذهب ناخب اللحظة الأخيرة إلى المرشح الذي يتمكن من مخاطبة مشاعره وعواطفه بعبارات سلسة ومقبولة اجتماعيا بعيدا عن التعقيد السياسي وترهات البرامج الانتخابية. ثالثا وأخيرا يذهب ناخب اللحظة الأخيرة إلى المرشح الذي يذاع عنه أنه ذو سمعة حسنة مقارنة بآخرين وغالبا لا يميل ناخب اللحظات الأخيرة إلى التجريب فهو يفضل غالباً من يعرفه ويأمن سياساته. ولا يخلو الأمر أيضا من طرفة، إذ أن عدداً من ناخبي اللحظة الأخيرة قد يقومون باختيار المرشح الذي يأتي أولا في ترتيب قائمة التصويت بغض النظر عن انتمائه!ولذلك يلجأ عدد من المرشحين إلى محاولة جذب ناخبي اللحظات الأخيرة عن طريق عدد من الاستراتيجيات وأهمها: أولا، تكثيف الدعاية ومضاعفتها بكل الوسائل الممكنة. في بعض الحالات يلاحظ قيام المرشحين بمضاعفة الحملات الانتخابية واللقاءات بالجماهير في الأسبوع السابق مباشرة للانتخابات لتجنب كل ما قاموا به من حملات ولقاءات انتخابية سابقة، ويهدف المرشح من هذا إلى ما يعرف بـ»إلحاح الصورة». ثانيا، البعد عن التعقيد واللجوء إلى الكلمات السلسة القصيرة والرنانة، والتي قد يكون لها مفعول قوي في جذب ناخبي اللحظات الأخيرة بدلا من العبارات المطاطة أو المعقدة. ثالثا، التركيز على الوعود الانتخابية المتعلقة بالصحة والتعليم والتأمينات الاجتماعية عادة أيضا ما يكون أكثر جذبا لناخبي اللحظات الأخيرة من الحديث عن العلاقات الخارجية والقضايا الإستراتيجية المعقدة. وأخيرا، يلجأ عدد من المرشحين إلى نشر الدعاية السوداء «المضادة» والتي رغم عدم أخلاقيتها تلعب دوراً مهماً في توجيه أصوات ناخبي اللحظات الأخيرة.إن الانتخابات المصرية التي على الأبواب سيلعب فيها ناخبو اللحظات الأخيرة دورا مهماً في حسم نتيجتها وتظل المفاجآت غير مستبعدة على الإطلاق في ضوء أن ثلث الناخبين المصريين لم يحددوا وجهتهم بعد، وهو سيكون أمراً مغرياً «للأسف» لعدد من المرشحين لكسر الصمت الانتخابي والإلحاح «حتى باب اللجنة» على صور ورموز المرشحين. كما أن استغلال دور العبادة من المتوقع أن يكون على أشده من أجل جذب هؤلاء الناخبين وهو ما يتطلب إجراءات حاسمة من لجنة الانتخابات الرئاسية في مصر في تحديد عقوبات وإجراءات لكاسري الصمت الانتخابي، وإلا ظلت نزاهة الانتخابات الرئاسية المصرية على المحك «حتى لو لم تزور» ولهذا حديث آخر. بقلم: أحمد عبد ربه, أستاذ الأنظمة السياسية المقارنة بجامعة القاهرة (المصري اليوم)

ناخبو اللحظات الأخيرة!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فتح وحماس تتوصلان إلى اتفاق بالقاهرة

الحكومة تهيئ للقضاء على كلاب "بيتبول"

مقالات ذات صلة