أزمة “سامير”… احتضار مدينة

إفلاسها تسبب في مشاكل اجتماعية للمستخدمين واكتظاظ المستشفيات وركود المحمدية أوصد معمل تكرير النفط "سامير" أبوابه صيف 2015 في وجه مستخدميه، إثر مواجهة الشركة صعوبات مالية، وبالتالي تم إخضاعها لمسطرة التصفية في ردهات المحاكم، التي مازالت تجري أطوارها إلى حدود اليوم، غير أن الضحية في نهاية المطاف من هذا المسلسل برمته هو العامل البسيط، الذي وجد نفسه عاطلا عن العمل بشكل إجباري، وبدأ يترقب مستقبله الغامض، منذ ثلاث سنوات. انجاز: مصطفى شاكري تأسست شركة "سامير" في 1959، بشراكة مع الإيطاليين، وتحولت إلى مقاولة عمومية منذ 1973، قبل خوصصتها في 1997، في عهد عبد الرحمان السعيدي، وزير الخوصصة حينئذ، بسبب السكتة القلبية التي كانت تهدد اقتصاد المغرب، ما دفع الراحل الحسن الثاني إلى الاتجاه صوب المملكة العربية السعودية، بحكم التقارب بين البلدين. وسيطرت مجموعة "كورال" السعودية على الحصة الكبرى من رأسمالها، لكنها شهدت العديد من الاختلالات المتعلقة بالتفويت وعدم احترام دفاتر تحملات الخوصصة. مآسي المستخدمين لا يمكن النظر إلى انهيار شركة "سامير" من المنظور الاقتصادي الصرف فقط، المرتبط بتضرر الاقتصاد المغربي، نتيجة خضوعه ل"سمسرة" السوق الدولي، بل توجد تداعيات اجتماعية أكثر أهمية، تتعلق بإفلاس العمال أنفسهم، ودخول "السامريين" في مآس أسرية، بسبب عجزهم عن أداء السومة الكرائية، واضطرارهم إلى نقل أبنائهم نحو المدارس العمومية، والأنكى من ذلك حرمانهم من التغطية الصحية، ما جعلهم يصابون بأزمات نفسية حادة، لأن أسرهم لم تتقبل فكرة الانتقال من أحياء 3 مارس و9 يوليوز السكنية، إلى العيش لدى الوالدين، ويوجد من العمال من هجرته زوجته أو أبناؤه بسبب الضائقة المالية التي يعانيها يوميا. تسبب إغلاق مصفاة "سامير" في ركود الحياة التجارية بـ "فضالة"، وصارت المرافق الحيوية "السامرية" تواجه أزمة اقتصادية، بعد أن تضاءل الإنفاق والاستهلاك بالمدينة بسبب إفلاس العمال، الذين كانوا يساهمون في دوران عجلة التنمية وتحريك الاقتصاد المحلي، عبر الرواج التجاري المهم الذي استفادت منه المحلات التجارية بالمحمدية، ما أدى إلى أزمة أصابت جميع المرافق، وتضرر الجميع منها بدون استثناء. مستقبل غامض قال الحسين اليماني، الكاتب العام للمكتب النقابي الموحد لمستخدمي شركة "سامير"، إن حوالي 3500 أجير الذين كانوا يشتغلون مع شركات المناولة أصبحوا إما عاطلين عن العمل أو بحثوا عن مهن جديدة بعد إغلاق المصفاة، مضيفا أن الحد الأدنى للأجور كان يبلغ 7000 درهم، وتشكل العلاوات 40 في المائة من الأجور، فضلا عن التغطية الصحية المضمونة، التي حرم منها المستخدمون بدون وجه حق، بعدما أوقفت عليهم الشركة العلاج، وأغلبيتهم يعانون أمراضا مزمنة. عمال وعائلات فقدوا القدرة المالية والتأمين الصحي، اللذين يخولان لهم الاستفادة من التطبيب الخاص، المعطى الذي أكده (أ.ن)، مستخدم بالشركة فضل عدم الكشف عن هويته، إذ لا يستطيع طلب قرض من البنك، من أجل إنشاء مشروع خاص به، نتيجة الوضعية المتأزمة للشركة، مبرزا أنه وجد نفسه بدون تغطية صحية، وأصبح يعاني قصد تأمين الدواء والعلاج لزوجته المصابة بمرض الربو. وقال المستخدم ذاته إنه يجهل مصيره في الوقت الحالي، بعدما أصبح مستقبل الشركة غامضا منذ توقف نشاطها، ما جعل أغلب العمال لا يتوفرون على رؤية واضحة للمستقبل، بل ويترقبونه بخوف وقلق، بعدما كانت أمورهم المادية مزدهرة، وهو ما تمثل في تشييد مشاريع سكنية خاصة بهم في المحمدية، وهي أحياء 3 مارس و9 يوليوز، التي تعد أهم مكاسب العمال في الفترة الذهبية للمصفاة. اكتظاظ المدارس والمستشفيات واضطر العديد من العمال إلى ترك تلك الأحياء السكنية، والانتقال للإقامة رفقة أسرهم أو استئجار شقق منخفضة السعر، بعد عجزهم عن أداء السومة الكرائية الشهرية للمنازل التي كانوا يقطنونها، والأمر نفسه يتعلق بمصاريف تمدرس الأبناء، إذ كان أغلبهم يتابعون دراستهم في مدارس التعليم الحر، ما أجبرهم على نقلهم إلى التعليم العمومي، ما أدى إلى الاكتظاظ في الحجرات الدراسية وعدم تأقلم أبنائهم مع الأوضاع الجديدة. وقال أحد سكان المدينة إن المستشفى الإقليمي مولاي عبد الله شهد اكتظاظا مهولا بعد إغلاق مصفاة التكرير بالمحمدية، الأمر الذي أثر سلبا على جودة الخدمات الصحية التي يوفرها المستشفى الإقليمي الوحيد بالمدينة، بسبب تزايد الإقبال عليه من قبل عائلات عمال "سامير". "نوستالجيا" قال عبد اللطيف بلحسن، رئيس الجبهة المحلية لمتابعة أزمة شركة "سامير"، إنه "في بداية الستينات كانت هنالك إستراتيجية وطنية من قبل حكومة عبد الله إبراهيم من أجل استقلال الاقتصاد الوطني عن الاقتصاد الاستعماري، لذلك تم تأسيس هذه الشركة في إطار تعاون مع إيطاليا، وجرى تأميمها آنذاك، ما جعل المغرب يربح منها الشيء الكثير، من خلال الاقتصار على استيراد البترول الخام وتكريره، ثم تصديره إلى الخارج، ما يعود علينا بالعملة الصعبة". وأضاف بلحسن، في حديث مع "الصباح"، أن "سامير شكلت صناعة مهمة للاقتصاد الوطني، وكانت الشركة مربحة مائة في المائة، لكن منذ تفويتها في 1997 بشكل غير شفاف، انقلبت الأرباح إلى الخسارة تلو الأخرى، بسبب بيعها بشروط غير تنافسية"، مشددا على أن الدولة طلبت من العامودي مالك المصفاة تحسين الإنتاجية والوضعية العامة للشركة، وهو ما وافق عليه مبدئيا، لكنه سرعان ما بدأ يطلب القروض من البنوك من أجل إصلاح المعمل، منبها إلى أنه تلكأ في إرجاع القروض للبنوك. أبرز الفاعل النقابي أن المغرب لم يستفد من الأرباح التي توفرها الشركة، مقابل قيام العامودي بأخذ الأموال نحو البنوك الأجنبية، الأمر الذي شكل خسارة كبيرة للدولة، مؤكدا أن شركة "سامير" كانت مكلفة بالجانب الرياضي للمحمدية، عبر دعم أندية كرة القدم بالخصوص، بحكم الإمكانات المهمة التي تتوفر عليها، فضلا عن تمويل الأنشطة الثقافية والبيئية، ثم توفير التدريبات للطلبة الجامعيين في مختبر التحليلات الذي تتوفر عليه الشركة، ومساهمتها في تمويل البحث العلمي، حيث كان عدد الطلبة يصل إلى حوالي 1000 متدرب سنويا. وأوضح رئيس الجبهة المحلية لمتابعة أزمة شركة "سامير"، أنها "شغلت ما يناهز 400 شركة مناولة صغرى ومتوسطة، تعمل معها في النقل والتغذية والحراسة، إذ يتراوح عدد المستخدمين بشركات المناولة ما بين 3500 و6000، أما عمال "سامير" فيناهزون 1010"، محملا الدولة مسؤولية إفلاس الشركة، مستطردا "تعطي البنوك القروض منذ 1997 بدون ضمانات والدولة تتفرج على الوضع، ولما طالبت الشركة بإرجاع الديون وجدت أنها غارقة بالكامل". تداعيات اقتصادية بخصوص التداعيات الاقتصادية لإغلاق شركة "سامير" للمحروقات، أشار عبد اللطيف بلحسن إلى أن الحكومة تشتري البترول المكرر بتكلفة مرتفعة في الوقت الراهن، فضلا عن طاقة التخزين التي كانت تتوفر عليها، والتي تصل إلى مليوني طن، أي ما يغطي 90 يوما من استهلاك المحروقات ومشتقاتها، غير أنه لا يتعدى اليوم 15 يوما على الأكثر، داعيا إلى تأميم القطاع، أو مساهمة الدولة بنسبة 50 في المائة حتى تضمن استقرار "سامير". وتمتلك مصفاة التكرير الوحيدة بالمملكة طاقة تكرير تناهز 10 ملايين طن، فيما يخزن الموزعون طنا من المحروقات، ما يشكل 20 في المائة من الاستهلاك، الأمر الذي أثر سلبا على تزويد السوق المحلي بالمحروقات، بعد توقف مصفاة المحمدية، عبر استنزاف احتياطي العملة الصعبة من أجل تمويل عمليات الاستيراد من الخارج، والخضوع الكلي لعمليات "السمسرة" في السوق الدولي، دون إغفال خضوع المستهلك لرحمة الموزعين، الذين صاروا يتحكمون في أسعار المحروقات. مشاكل بيئية تراجع نشاط ميناء المحمدية بعد توقف مصفاة المحمدية بنسبة تقدر بـ 30 في المائة، حسب شهادات أحد العاملين بالميناء، دون ذكر تضرر السوق المحلي للمدينة، بالإضافة إلى نقص الإنتاجية وتأزم وضعية البنوك. وقال العديد من الفاعلين الجمعويين بالإقليم إن الغبار الأسود الذي يشتكي منه الناس مرده إلى توقف المصفاة، التي كانت تزود المكتب الوطني للكهرباء بـ "الفيول"، لكن بعد توقفها لم يعد المكتب يستطيع شراءه بسبب تكلفته المرتفعة، وصارت المحطة الحرارية تستعمل "الشاربون". ركود "فضالة" كان عمال المصفاة الشريان النابض بالمحمدية، لأنهم ساهموا في رواج الأنشطة التجارية بشكل مهم، لكن الوضعية لم تعد كما كانت في السابق، إذ خفت الإقبال على المصحات الخاصة ومدارس التعليم الخصوصي، دون إغفال الركود التجاري الذي أصبحت تعرفه محلات البقالة والخضر والفواكه، ما يؤكد بالملموس أن قرار توقف نشاط الشركة لم يتضرر منه المستخدمون فقط، وإنما شمل المدينة برمتها في جميع المجالات. وقال أحد المستخدمين في المصفاة بحسرة "راه الموس وصل لينا العظم. بزاف هدشي، عيينا ما نصبروا، ولادنا تعقدوا نفسيا، ولينا عايشين الحياة ديال الصومال، وتصور معايا واحد كيشد صالير كيوصل حتى ل 15000، ودبا ولات كتوصلو غير 4000 درهم فالشهر، اللهم إن هذا لمنكر، بغينا غير ترجع الشركة، معدناش مشكل، وليني خلاونا معلقين معارفين واش غنخدموا ولا غيجريو علينا". من جهته، أوضح سعيد، متقاعد من الشركة، أنه حرم من تعويض التقاعد لمدة ثلاث سنوات، أي منذ 2015، مستطردا "ثلاث سنوات من الكد والاجتهاد ذهبت هباء منثورا، بل حتى التغطية الصحية لم نستفد منها بسبب الأزمة المادية للمصفاة. المكلفون بالحراسة غادروا مقر العمل لأنهم لم يتوصلوا بأجورهم منذ مدة، ولم يستطيعوا حتى أداء فواتير الماء والكهرباء، فما بالك بتعويض العمال". وأضاف "ولادنا مبقاوش كيستافدوا من الأنشطة اللي كان كيوفرها مجلس الشركة من مخيمات ومسابح وملاعب القرب، كولشي مشا، مكايناش إرادة سياسية لتصفية الشركة، معارفينش المصير ديالنا من دبا لقدام".

أزمة “سامير”… احتضار مدينة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

متاجر أمريكية تطلق تصاميم إسلامية

العثور على قذيفة بمكناس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات