جبهات ضد الفكر النقدي

تصر بعض الأوساط المحافظة على فتح جبهات ضد الفكر النقدي والعقلاني، في معارك تهدد بتعميق أزمة المنظومة التربوية، من خلال إعلان الحرب على الفلسفة، تحت مبرر الانتصار للتربية الإسلامية. وانتقلت المواجهة هذه المرة إلى بعض الشعب التقنية في الباكلوريا، من خلال تعويض مادة الفلسفة بالتربية الإسلامية، وهو ما أثار موجة احتجاج في الأوساط التعليمية، ومدرسي الفلسفة خاصة، لتعمق الطابع الإيديولوجي للصراع. وبالعودة إلى الخريطة العامة للمنهاج التعليمي بالمدرسة المغربية، يسجل رجال التربية المكانة التي تحظى به التربية الإسلامية، على حساب باقي المواد، وفي مقدمتها الفلسفة، التي حوصرت، في وقت سابق، من خلال تقليص ساعاتها، وإلغاء شعبتها في العديد من الجامعات، وتشجيع الدراسات الإسلامية بدلها، في إطار الحرب التي استهدفت، في ثمانينات القرن الماضي، الفلسفة والعلوم الاجتماعية عامة. ومن تداعيات هيمنة التربية الإسلامية وتمددها أنها أحكمت الربط إلى درجة التطابق بينها، باعتبارها مادة تربوية، والإسلام، باعتباره دينا تعبديا، ليس بسبب التسمية فحسب، وإنما بإضافة ثقل هذه الهيمنة على مفعول التسمية، لتكتسي بذلك، طابع القدسية في منظور المتلقي، باعتبارها مادة مطابقة للدين. وبرأي المختصين في مناهج وبرامج التعليم، فإن التربية الإسلامية، تظل المادة الوحيدة التي تحظى بنفوذ أوسع، إذ أن مجموع ساعات المادة في مختلف المراحل التعليمية يصل إلى 848 ساعة، في الوقت الذي لا تتجاوز حصص مادة التاريخ 210 ساعات. ويطرح اكتساح المادة الدينية للمنهاج التعليمي التساؤل عن الخلفية الإيديولوجية الموجهة لها، من خلال اعتماد نصوص دينية قطعية الأحكام، ترفض النقد، وتستعصي على النقاش، وهو اختيار لا ينسجم مع الأهداف التربوية التي أعلن عنها الميثاق الوطني للتربية والتعليم، ما أدى إلى السقوط في تعسف في الشرح، وتناقض في التأويل، وتلفيق في الاستنتاج، مثلما سمح بتحوير للمعاني، وتغييب للعقل، وإقصاء للتفكير، وتحريم للنقد. ويرى سعيد ناشيد، الباحث المتخصص في الفكر الديني أن إلغاء الفلسفة في بعض الشعب التقنية وتعويضها بالتربية الإسلامية، يمنح توجيها سيئا ومضللا بأن الفلسفة في عداء مع الدين، وأن تدريس الدين هو البديل الأفضل عن تدريس الفلسفة، مؤكدا أن هذا الاعتبار المضلل للعقول له حسابات إيديولوجية تستهدف الهيمنة، عبر تجييش الانفعالات الدينية للناس، وتعطيل العقل، باعتباره العدو الأكبر لكل الإيديولوجيات المغلقة. وأوضح ناشيد، عضو رابطة العقلانيين العرب، في حديث مع "الصباح"، أن العداء للفلسفة متأصل بالفعل في الموروث الفكري، والذي اتفق على تكفير الفلاسفة، واعتبارهم من أهل الجحيم، كما ذهب إلى ذلك ابن تيمية، الذي يعد الجذع التراثي المشترك لكافة فصائل وتيارات الإسلام السياسي. وأكد ناشيد أن العداء للفلسفة هو عداء للعقل وإصرار على ألا يثق الإنسان في عقله، وأن يظل قاصرا وواقعا تحت وصاية، ليس النصوص فقط، وإنما أيضا تحت وصاية مفسري النصوص وحراسها، ومن نصبوا أنفسهم ناطقين باسم الدين. إن المسألة، في رأي الباحث المتخصص في الفكر الديني، تتعلق بصراع الهيمنة بين إستراتيجية الفلسفة القائمة على ألا يخضع الإنسان إلى أي وصاية أو هيمنة من أي طرف كان، وإستراتيجية الإيديولوجيات الأصولية والشمولية، والتي تهدف إلى إفقاد الإنسان ثقته في العقل، حتى يسلم وعيه إلى جماعة إيديولوجية معينة. وخلص الباحث إلى أن الدفاع عن الفلسفة هو دفاع عن حق أساسي من حقوق الإنسان، وحق المواطن في استعمال عقله في الفضاءين العام والخاص على حد سواء، وحقه في السؤال والتساؤل والتشكيك في المسلمات التي تلقن له، وبتعبير أدق "الحق في الفلسفة"، كما يسميه جاك دريدا. برحو بوزياني

جبهات ضد الفكر النقدي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التربية الإسلامية أغفلت القضايا الراهنة

محافظون منزعجون

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات