باعة السموم

مطاعم شعبية توزع الأمراض على الزبناء في غفلة من مصالح حفظ الصحة ازداد الطلب في السنوات الأخيرة على الوجبات السريعة، وصار المغاربة يقبلون أكثر على المطاعم، سواء الشعبية أو الراقية، سيما الموظفين والعمال الذين لا يجدون بدا من تناول الأطعمة الجاهزة في وجبة الغداء، الأمر الذي شكل بيئة سانحة لتكاثر المطاعم والمحلات الغذائية، التي تستغل تزايد الإقبال عليها من أجل مضاعفة الأرباح على حساب صحة المستهلكين، في غفلة من مصالح حفظ الصحة... وجبات سريعة القتل محلات تجارية تفتقر لأبسط شروط السلامة الصحية تعتبر ساحة ماريشال بالبيضاء قبلة للجميع، من سياح وسكان، بوصفها القلب النابض للمدينة، الأمر الذي جعلها وجهة لأرباب المطاعم والمحلات الغذائية، بسبب الرواج الكبير الذي يعرفه المكان، خاصة في أوقات الذروة. الساعة تقارب الثانية عشرة زوالا. حركة دؤوبة في الساحة. العمال والطلبة والموظفون يتجهون نحو المطاعم التي تملأ المكان، كل حسب قدرته الشرائية، لكن الإقبال يكون أكبر على المطاعم الشعبية والباعة المتجولين. مخاطر صحية انتقلنا إلى أحد المطاعم، حيث يتناول الناس وجبة الغداء. معايير السلامة تكاد تكون منعدمة. طاولات متسخة، لا يتم مسحها كلما جلس الزبون، والنادل منهمك بتدخين سيجارة في إحدى النوافذ، ليعود مجددا إلى إعداد الوجبات دون أن يغسل يديه وصرصار ميت يبدو باديا للعيان قرب فرن المطبخ، إضافة إلى رائحة كريهة تنبعث من المرحاض، بل إن المطعم لا يتوفر حتى على صابون لغسل اليدين قبل الأكل. قرب باب مراكش، يوجد مطعم شعبي ممتلئ عن آخره، يقدم وجبات سريعة بأسعار لا تتعدى 15 درهما. يرتدي النادل ملابس وسخة، كما أن الطباخ يعد الوجبات دون أن يكلف نفسه عناء غسل يديه، وإنما يستعمل خرقة بالية سوداء بكثرة توظيفها في مسح يديه بين الفينة والأخرى. صحون لا يتم غسلها طيلة اليوم، بل يتم الاكتفاء بمسحها لا غير، دون الحديث عن انعدام مكان غسل اليدين قبل وبعد تناول الوجبة، وكذلك زيوت القلي المسرطنة المستعملة طيلة الأسبوع، بل إنه لا يوفر للزبناء حتى الماء الشروب. توزيع الأمراض في شارع مولاي عبد الله، المعروف بـ "برانس"، يوجد مطعم راق يقدم وجبات غالية الكلفة، تبدو في ظاهرها صحية، غير أنها تخفي وراءها غابة من الجراثيم والفيروسات، لكن على الأقل تتوفر فيها أقل شروط السلامة الصحية مقارنة بالمأكولات الشعبية، ذلك أن العمال يرتدون ملابس خاصة بالمطعم، ويقومون بمسح الطاولات كلما جلس الزبناء، كما يستعملون القفازات أثناء عملهم، فضلا عن وجود مرحاض عصري. القاتل الصامت تعتبر المواد الغذائية العامل الثالث المساهم في ارتفاع حالات التسمم، إذ تشكل التسممات الغذائية حوالي 17 في المائة من مجموع التسممات بالمغرب، حسب التقرير الصادر عن المركز المغربي لمكافحة التسمم واليقظة الدوائية، التابع لوزارة الصحة، قبل عامين. وتمكنت المصالح التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، خلال العام الماضي، من مراقبة أزيد من مليون طن من المنتجات الغذائية، وحجز وإتلاف 4730 طنا من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك، وهي أرقام تكشف ضرورة مراقبة المواد الفاسدة الموجهة للاستهلاك. ويثبت القانون رقم 07 – 28 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، المسؤولية المباشرة للمسؤول عن تسويق المنتجات الفاسدة، ذلك أن عمليات المراقبة التي يجريها "أونسا" لوحدات التصنيع، مهما كان عددها أو قوة تركيزها، فإنها تظل قاصرة عن حماية المستهلك بشكل كامل. لجان موسمية لا يتوفر أغلب أصحاب المحلات على دبلوم محدد في مجال التغذية، أو له دراية على الأقل بالمخاطر الصحية التي يمكن أن تنتج عن تناول أطعمة لا تتوفر فيها شروط السلامة الصحية، فضلا عن عدم توفير وسائل نقل خاصة بالمواد الغذائية الموجهة للاستهلاك، وكذلك عدم مراقبة جودة الأطعمة في الأسواق من قبل اللجان المختلطة، إذ تعتري عمليات مراقبة المواد الفاسدة مجموعة من الفجوات، نتيجة العمل الموسمي لهذه اللجان التي تنسقها السلطات المحلية، عبر الاقتصار على بعض المناسبات التي يعود فيها الموضوع إلى الواجهة، مثل رمضان وعيد الأضحى، زيادة على محدودية الإمكانات البشرية. ثقافة غائبة وحقوق ضائعة تغيب ثقافة الاستهلاك عند معظم المغاربة، الذين يشتكون دائما من الغش والتدليس، إلا أن هذه الشكايات تكون شفوية، الأمر الذي يحول دون متابعة أصحاب المطاعم قضائيا، إذ قلما يرفعونها إلى القضاء أو يوجهون عرائض للسلطات المحلية، ما يجعلهم مسؤولين عن التسممات التي وقعوا ضحيتها، وهنا تصطدم فكرة حماية المستهلك بالمستهلك نفسه. مصطفى شاكري

باعة السموم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مالي تشيد بدعم المغرب في مجال تدبير الأزمة السياسية

أمزازي يسعى إلى "رأب الصدع" مع النقابات

مقالات ذات صلة