الإعلام والقضاء… تنافر أم تكامل؟

القاضيان الشنتوف ومخلي حاولا تقديم الإجابة خلال لقاء مع طلبة المدرسة العليا للصحافة والتواصل الإعلام والقضاء أي علاقة؟ سؤال لم تحدد أجوبة دقيقة عنه، خاصة أن كل طرف من طرفي العلاقة يعتبر أنه الفاعل الحقيقي فيها، ما يجعلها تتسم بنوع من التنافر عوض التكامل المفترض. ذلك السؤال حاولت المائدة المستديرة التي نظمتها المدرسة العليا للصحافة والتواصل التابعة لمجموعة "إيكوميديا"، الجمعة الماضي، الاقتراب من الإجابة عنه من خلال استضافتها لعبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، وياسين مخلي، عضو المرصد الوطني للسلطة القضائية. إعداد: كريمة مصلي - تصوير: فدوى الناصر الشنتوف: تأثير وتأثر أكد عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، وجود علاقة تأثير وتأثر متبادلة بين القضاء والإعلام، حيث يمكن أن يكون هذه التأثير إيجابا أو سلبا، حسب الفاعلين في المجالين معا. وأكد الشنتوف أن الإعلام يبقى وسيلة مهمة لإيصال صورة القضاء للرأي العام وتواصل المؤسسات القضائية معه ونشر بعض الأحكام، كما يمكن أن يلعب دورا مهما في نصرة قضايا القضاء وخاصة ما تعلق منها باستقلاله، وفي الوقت نفسه يجسد بشكل فعلي الرقابة المجتمعية على القضاء. وأضاف الشنتوف أن القضاء يقوم، انطلاقا من دوره المحدد في الفصل 117 من الدستور، بحماية الحقوق والحريات، وحماية حرية التعبير وحرية الصحافة والاحتكام إليه في النزاعات التي توجه ضد الإعلام والإعلاميين سواء من قبل الأفراد أو الإدارة. كما أن القضاء مزود للإعلام بالمادة الصحافية من خلال الأحكام والجلسات العلنية لبعض المحاكمات التي تهم الرأي العام، مذكرا بأنه للقيام بهذا الدور يجب توفر شروط الاستقلال بالنسبة للإعلام والقضاء وتوفير بيئة ملائمة من إطار قانوني وتكوين ودعم . تأثيرات سلبية وعن الثأثيرات السلبية، أكد رئيس النادي، أن الاعلام في الكثير من الاحيان يؤثر على القضاء من خلال تناوله بطريقة معينة لقضايا معروضة على المحاكم أو تمس ببعض مبادئ المحاكمة العادلة، مثل قرينة البراءة وعدم احترام سرية الابحاث والتحقيقات أحيانا أو تصوير متهمين مصفدين، كما أن الجسم الصحافي وبعض الباحثين يتهمون القضاء بالقسوة في الأحكام ضد الصحافة بالاعتماد على بعض التكييفات القانونية أو اتجاهات وقراءات قانونية معينة. وتساءل رئيس النادي، هل تعكس هذه العلاقة تعاون الطرفين على أرض الواقع ؟ مجيبا عن ذلك بعدم وجود برامج واضحة للانفتاح على الإعلام حتى الآن، مؤكدا على عدم وجود ناطقين رسميين متخصصين في المؤسسات القضائية كلها. كما أن المؤسسات القضائية لا تعقد ندوات صحافية دورية خارج بعض المناسبات غير التفاعلية مثل افتتاح السنة القضائية أو بمناسبة قضايا معينة تكون لها متابعة حقوقية كبيرة، مثل قضية اكديم إزيك حيث كان الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالرباط، يعقد ندوة صحافية عقب كل جلسة محاكمة، كما أن الحضور في المشهد الاعلامي في البرامج الحوارية أو الكتابة الصحافية كان في ما قبل سنة 2011 شبه منعدم. وأما بالنسبة إلى الجسم الصحافي فقد كان غير مهيكل ومنظم الى حدود السنة الماضية، تاريخ دخول القانون المتعلق بالصحافة والنشر حيز التنفيذ، وعلى مستوى الواقع ما زال المشكل مطروحا حتى الآن في انتظار الملاءمة التامة مع أحكام هذا القانون، مما نتج عنه بعض الممارسات التي لم تساعد على التعاون بين الطرفين، كما أن هناك مشكل التخصص لدى العديد من المنابر الصحافية وغياب مطالب واضحة للهيآت التمثيلة تجاه هذا الموضوع . واستدرك رئيس النادي بالقول إن هناك بعض المؤشرات التي تبدو ايجابية تبشر بتحولات مقبلة في ما يخص علاقة الإعلام بالقضاء، ومن ذلك، الخطوات التواصلية التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة من حيث حضور رئيسها في الإعلام وإصدار بيانات وبلاغات، كما أن مشروع التنظيم القضائي يتضمن وجود ناطق رسمي للمحكمة، متمنيا أن يتم تطوير هذه التجربة ونقلها إلى مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وأن تمنح وظيفة التواصل لمن يتقنها وليس بالضرورة رؤساء المؤسسات القضائية من محاكم وغيرها. الجمعيات القضائية قربت المسافة أشار عبد اللطيف الشنتوف، رئيس النادي، إلى أن ظهور الفاعل الجمعوي على المستوى القضائي، من خلال الجمعيات المهنية القضائية، ساعد في توطيد العلاقة بين الإعلام والقضاء، مذكرا بدور الإعلام، خاصة جريدة "الصباح" في مواكبة تجربة نادي قضاة المغرب منذ أن كانت فكرة تأسيس الجمعية ما زالت افتراضية في "فيسبوك". ولم يفت الرئيس التذكير بأن النادي كانت له مواقف حقوقية في موضوع الصحافة، إذ سبق أن طالب إبان مناقشة قانون الصحافة والنشر بضرورة حذف العقوبات السالبة للحرية من القانون وإقرار مقتضيات تعزز حماية حرية التعبير وفق المبادئ المنصوص عليها في الفصل 28 من الدستور. وفي الختام أكد الرئيس على ضرورة انفتاح الطرفين، من خلال برامج للتعاون تتضمن التكوين المتبادل ونشر المعلومة القضائية وثقافة العدالة والوعي القانوني ومحاربة الإشاعات التي تستهدف المؤسسات القضائية وتسيئ كثيرا لصورة القضاء المغربي، وهي مسألة لها تأثير خطير، وإقرار ميثاق للمبادئ والأخلاقيات التي تؤطر هذا الجانب. مخلي: القضاة مطالبون بالانفتاح اعتبر ياسين مخلي، عضو المرصد الوطني للسلطة القضائية، أن موضوع القضاء والإعلام، مهم ولا يمكن التعريج عنه دون الوقوف على المقاربة التقليدية لعلاقة الإعلام بالقضاء، والتي كانت تتسم بانغلاق القضاء بمبرر الحفاظ على هيبته، والتحفظ كان يعني الصمت، إضافة إلى غياب إطار قانوني مؤسساتي منظم لهذه العلاقة وتباين تعاطي المحاكم مع الإعلام، وعدم الفهم المتبادل لإكراهات وتقنيات عمل القضاء والإعلام، أي الزمن القضائي والزمن الإعلامي . وأضاف مخلي أن العديد من التوصيات الدولية أجمعت على أهمية وجود علاقة بين القضاء والإعلام، ومن بينها توصية لجنة وزراء الاتحاد الاوربي 12 - 2010 ، التي تحدثت عن أهمية التواصل و الإعلام و نقل المعلومات للرأي العام، غير أن الحق في الحصول على المعلومات القضائية يجب أن يرتبط بحدود احترام مبدأ استقلال القضاء، مشددة على أهمية تشجيع القضاة على التعامل مع وسائل الإعلام. كما أن رأي المجلس الاستشاري للقضاة الأوربيين CCEJ عدد 7 - 2005، أكد على حق وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات القضائية والنفاذ لجلسات الاستماع وفق القوانين ووفق الحدود المنصوص عليها قانونا، وأنه من الضروري تحسين العلاقة بين المحاكم ووسائل الإعلام والفهم المشترك لأدوار الطرفين، وإعلام الرأي العام بالعمل القضائي وتعقيداته، وتصحيح بعض الأخطاء، وضرورة احترام مدونة السلوك من قبل القضاة والصحافيين. كما شدد على أهمية وجود ناطق رسمي باسم المحكمة يتولى مهمة التواصل مع وسائل الإعلام. نحو علاقة جديدة عمد المتدخل في هذه النقطة إلى تقسيمها إلى مرحلتين. الأولى، عرفت غياب أية آلية للتواصل مع الإعلام من داخل المحاكم والمجلس الأعلى للقضاء، وهناك كانت وزارة العدل تتهيب من القيام بمهمة التواصل مع الإعلام في بعض القضايا التي تثير الرأي العام خاصة قضايا الفساد، والتوجه إلى إصدار بعض النيابات العامة لبيانات مقتضبة حول بعض القضايا وسير الإجراءات بشأنها مثل قضية إكديم ازيك. أما المرحلة الثانية فكان التوجه نحو تأسيس علاقة جديدة بين القضاء والإعلام، بعد استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، إذ كانت البداية على مستوى النيابة العامة، منشور رقم 1 لرئيس النيابة العامة الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 2017، والذي تحدث فيه على أن التواصل مع الرأي العام ومع فعاليات المجتمع المدني يكون ضروريا في بعض الحالات لمنع انتشار الإشاعات والأخبار الكاذبة أو لتصحيحها، وذلك تكريسا للمبدأ الدستوري المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة وتنويرا للرأي العام الوطني والدولي. واعتبر مخلي أنه في ظل التغييرات التي عرفها المغرب والمتمثلة أساسا في دستور 2011، الذي منح السلطة القضائية استقلالا عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وسمح بإحداث جمعيات مهنية خاصة بالقضاة، كان لزاما أن يكون هناك تغيير في طريقة التدبير، خاصة في المرحلة الانتقالية التي سبقت تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إذ أن المجلس الأعلى للقضاء، انفتح على المحيط الإعلامي ما بين2012 - 2016 بنشر جدول الأعمال الخاص به، ونشر توضيحات وبيانات ونتائج كل دورة. التواصل له حدود وتساءل ياسين مخلي هل القيود الواردة على حرية الإعلام تحقق التوازن بين حق الحصول على المعلومات وقواعد المحاكمة العادلة، لينطلق للإجابة على ذلك من خلال تقسيم الأمر إلى قيود مطلقة مرتبطة بسرية التحقيق والأبحاث التمهيدية وسرية المداولات، والتي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 75 من قانون الصحافة و النشر الصادر بتاريخ 15 غشت 2016. ويمنع نشر بجميع الوسائل صور شمسية أو رسوم لأشخاص تكون الغاية منه التشهير عن طريق التشخيص الكلي أو الجزئي لظروف جناية أو جنحة، كما يمنع نشر بيان عن المداولات الداخلية لهيآت الحكم و الهيآت القضائية. وهناك قيود مرتبطة بضرورة الحصول على إذن من المحكمة أو موافقة الشخص المعني بالأمر، فيمنع نشر بيان عما يدور داخل المحاكم حول قضايا القذف أو السب، والمرافعات المتعلقة بدعاوى الأحوال الشخصية سيما ما يتعلق منها بإثبات الأبوة والطلاق دون إذن المحكمة. واعتبر مخلي أن هناك حاجة لتحسين العلاقة بين القضاء والإعلام، من خلال وضع مبادئ توجيهية تنظم هذه العلاقة وتسهل ولوج الإعلام للمعلومة القضائية، سواء قبل انعقاد الجلسات أو خلالها أو بعد صدور الأحكام و القرارات القضائية، وأهمية توحيد مناهج التواصل بين القضاء والإعلام، وانفتاح القضاة على الإعلام في إطار التوازن بين ضمان حق المواطنين في المعلومات وصيانة قواعد المحاكمة العادلة. توصيات مشروع قانون التنظيم القضائي على مستوى المنظومة التشريعية، أشار مشروع قانون التنظيم القضائي، في المادة 35 منه، إلى كيفية التعامل بين القضاء والإعلام "يسهر مسؤولو المحاكم على تحسين ظروف استقبال الوافدين عليها و تيسير ولوج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لخدماتها والتواصل مع المتقاضين بلغة يفهمونها، و تيسير الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية طبقا للقوانين الجاري بها العمل وتمكين المتقاضين من تتبع مسار إجراءات قضاياهم عن بعد، في احترام تام للمعطيات الشخصية للأفراد وحمايتها، ويعتبر كل مسؤول قضائي أو من ينوب عنه ناطقا رسميا باسم المحكمة كل في ما يخص مجاله، ويمكنه عند الاقتضاء التواصل مع وسائل الإعلام من أجل تنوير الرأي العام.

الإعلام والقضاء… تنافر أم تكامل؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العلمي: كل القطاعات مجندة للمونديال

برنامج تطبيقي يقرب رونار من المحترفين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات