دوار الكرعـة… مأسـاة قـرن

5 آلاف رباطي يعيشون في أقدم حي صفيحي رصدت له مشاريع لإعادة الإدماج دون جدوى "لا للتهجير"، "الله الوطن الملك"، علامات حمراء رسمت بعناية فوق مجموعة من البراريك، التي يعود إنشاء العديد منها إلى ما قبل سنة 1926، دليلا على أنها مساكن أحصيت من قبل السلطات المختصة للاستفادة من إعادة الإسكان. الأعلام الوطنية المنصوبة بعناية على جل "البراريك" تزاحم أكوام الغسيل التي علقت وسط زقاقات تستحيل على أكثر من اثنين من المارة، وتفصل بين دور، بعضها يتكون من أكثر من طابقين، تضم الواحدة منها أربع عائلات على الأقل، فيما يؤكد سكان أقدم حي صفيحي في المغرب أن الجهات الرسمية أحصت 5 آلاف فرد، يعانون جميعهم شظف العيش، وأنهكهم انتظار حل صار يبدو لهم سرابا، بل تحول إلى كابوس، بعدما كان حلما ورديا منوا النفس من خلاله بتحسين ظروف عيشهم. "عايشين تحت القزدير، مآمنين بالتغيير"، "أول نداء في الدوار، التضامن مع الجيران"، "اليوم هنا، غدا محال"، "دير مزيان، اليد في اليد الحق يبان"، "علاش زربان، عندك البون ترحل ترحل"، "جارك مسكين راجل عيان، وهجالة عندها صبيان تقيل تشكي تبات تبكي".. بعض من شعارات دأبت مئات الحناجر، لصبية وشباب وكهول، إناثا وذكورا، ترددها مساء كل يوم في ما يشبه الساحة الصغيرة داخل دوار "الكرعة" الصفيحي، منذ عدة أسابيع، بعدما قرر سكان الدوار، الذين أنشؤوا تنسيقية لإسماع مطالبهم والدفاع عنها، تدشين انتفاضة، يصرون هذه المرة ألا تراجع عنها إلى حين تمكينهم من حقهم في الاستفادة من إعادة إسكانهم، في أحياء تحفظ كرامتهم، وتجعلهم يرتقون إلى مستوى "إنسان"، "فنحن هنا، العديد منا على الأقل، يعيشون وسط أربعة جدران، بعضها تفتقر حتى لمرحاض، عادوا لما كانوا عليه أجدادنا بالدوار، عندما كان يحفرون حفرا، يقضون بها حاجاتهم، وعندما تمتلئ يفرغون ما بها ويرمونها بعيدا"، تقول مريم، واحدة من سكان الحي. سكان الدوار، الذي يعد واحدا من بين أقدم الأحياء الصفيحية بالرباط، يعود تأسيسه إلى حوالي سنة 1920، أكدوا أنهم كانوا ضحية نصب واحتيال لثلاث مرات، "ثلاثة مشاريع، وعد من خلالها السكان منذ ثمانينات القرن الماضي بإعادة ترحيلهم، وتمكينهم من الاستفادة من سكن لائق، إما في شقق أو بقع أرضية، مع تعويض مالي محترم، لم تكتمل جميعها، وكنا نفاجأ في كل مرة بمبررات واهية عن تعثر المشاريع لتكون النتيجة، استمرار المأساة، وتفريخ عائلات جديدة، غالبيتها، نتاج لزيجات أبناء الحي أنفسهم. هنا البراني عندنا قليل، كلشي ولاد الدوار، راه عندنا أربعة أجيال وأكثر، كلهم تزادوا في الدوار"، يقول مصطفى، الذي يؤكد أنه ازداد بالدوار، وقضى به أزيد من أربعين سنة، وابنه البكر اليوم مقبل على الزواج. سومة ب70 درهما "فاش جاو واليدنا يسكنو هنا، كان الوقت ماشي بحال هذا، خلينا الأرض ديالنا فالعروبية وجينا البراكة، كونا كانخلصو مادام كابي وناخدو التوصيل"، تقول امرأة سبعينية، مضيفة أن الاعتقاد السائد آنذاك كان هو أن أعيان القرى كانوا يلجؤون إلى العيش ب"البراريك"، لأنها تحافظ على نمط عيش قريب مما كانوا عليه في البوادي، "أتحدث عن 1920، وحتى قبلها"، تقول المرأة بحسرة. تتذكر كيف أنها كانت تعيش في مساحات واسعة، رفض والداها استبدالها بشقة أو منزل من طابقين، قبل أن يضطرا لاحقا إلى تقسيمها وتوزيعها على مختلف الأبناء. تضيف امرأة أخرى، "من يقول إن الحي جديد، أو تم استنباته، واهم". هذا الحي أقدم أحياء الرباط، وأقدم من أكدال، التي تفتخر بها العاصمة اليوم. المشكلة، أنه يضم الناس الضعافا، الناس للي كانو خدامين بعرق كتافهوم من عهد الاستعمار ومازالين مدابزين غير مع القفة اليوم، شكون للي بنا الرباط من غير ولاد هاد الدوار، الأغلبية خدمو فالبني والنجارة، ودابا اليوم مامنحقوهمش حتى يحلمو بحيوط مقادين يعيشو وسطهوم". يعلل أبناء الحي أقدميتهم وأحقيتهم في الاستفادة من مشاريع لإعادة الإسكان، قالوا إنها يجب أن تكون بعين المكان، أن غالبية العائلات القاطنة في الدوار، كانت تؤدي مقابل سكنها بالبراكة، سومة كرائية "كانو واليدينا وجدودنا كا يخلصو فالأول 10 دراهم للسنة، من بعد تزادت وولات 3 دراهم للشهر، وبقات غادا ووكاتطلع، حتى وقفات عند 70 درهم للشهر"، يقول أحد أبناء الدوار. ويضيف آخر، وهو يعرض وصولات الكراء "آخر وصل كراء توصلنا به يعود لسنة 1990، بعدما قررت الدولة وقف الأداء، على أساس استفادتنا من إعادة الإسكان، منذ 1986، وأتى الراحل الحسن الثاني شخصيا لوضع حجر الأساس لإحداث مشروع جديد يضمن لنا العيش الكريم. راه الحجرة مازالا إلى يومنا هذا"، يضيف أبناء الدوار بسخرية لم تتمكن من إخفاء مرارة تنغص عليهم عيشهم "ماشفنا من داك المشروع غير داك الحجرة". "لا للتهجير" "الحيوانات عندما نريد ترحيلها عن موطنها، نبحث لها عن بيئة مشابهة، عاد بنادم"، تقول مريم، واحدة من سكان الدوار، التي ترفض، شأنها شأن العديد من سكان الحي الصفيحي الانتقال إلى عين عودة، على اعتباره الحل الذي يقترحه معدو مشروع إعادة إيواء سكان الدوار، بعدما نفدت الشقق المنزلية الواقعة بكل من حي الشيكا بتمارة، وتامسنا. تتساءل شأنها شأن العديدين كيف سيتمكن 2600 تلميذ، يعيشون بالدوار من متابعة دراستهم، بعد "تهجيرهم" إلى عين عودة، "ولاد عايشين فالرباط، وواحلين فالمدرسة، شنو بغيناهوم يديرو فاش نديوهوم لعروبية، ما فيها حتى بنيات تحتية، ولا مدارس ولا مستشفيات ولا طريق، بلا مانهضرو على الناس للي خدامة، ولي ماكتصورش فالنهار حتى 10 دراهم". ترد المرأة السبعينية "إيلا بغاو يهجرونا، يعطونا غير فلوسنا ونرجعو لبلادنا، مادام عروبية عروبية، نمشيو لجذورنا بعدا". تتساءل نسوة أخريات، عن السبب الذي يمنع السلطات من إعادة إسكان السكان في عين المكان، وتستدل أخريات على أن العديد من الدور، تم إصلاحها، ومجهزة بأحدث تقنيات الصباغة والزليج، وتستجيب لمعايير البناء السليم، "واش حتى هاد الديور يتهدمو باش يمشيو ماليهم للعروبية، حرام هادشي للي كايوقع". وقفات واعتقالات تستمر وقفات السكان، وتتحول إلى محطة يومية، تنطلق عشية كل يوم بمجرد أن تشير عقارب الساعة إلى الخامسة والنصف. يتحلق السكان حول لافتات خطت عليها مطالبهم بعناية، حاملين الأعلام وصور الملك، دون أن تدفع احتجاجاتهم المسؤولين إلى المبادرة إلى الحوار، أو الاستفسار عن أسباب دفعتهم إلى التصعيد وجعلتهم يخرجون من دائرتهم بيعقوب المنصور، والانتقال إلى القلب النابض للعاصمة، "معقل المحتجين"، يتناوبون، تارة على الاحتجاج أمام مقر الولاية، وتارة أخرى يجوبون شارع محمد الخامس، قبل الاستقرار أمام البرلمان. يتذكر سكان الدوار جيدا ما وقع زوال يوم 23 يناير الماضي، عندما خرج العشرات منهم، محتقنين بالغضب مما آلوا إليه ف"نحن محرومين من حقوقنا الأساسية، خاصة الحق في السكن، كما أن عملية إعادة ايوائنا تفتقر للشفافية وتعرف تلاعبات وخروقات لا تأخذ بعين الاعتبار وضعنا القانوني والاجتماعي"، تحكي مريم مضيفة أن أكثر ما يخيف سكان الدوار عدم نشر لوائح المستفيدين، ليفاجؤوا في كل مرة باستفادة أشخاص لا يقطنون بالحي الصفيحي وإصرار السلطات على ترحيل السكان خارج مدينة الرباط التي يقطنون بها منذ عقود. واقع جعل السكان يقررون الخروج في مسيرة احتجاجية صوب البرلمان، سرعان ما ستنزاح عن مسارها، ويقرر السكان التوجه إلى إحدى بوابات القصر، "فقدنا الثقة في جميع المسؤولين، فمنهم من باعنا الوهم ومنهم من رفض حتى استقبالنا. منقذنا الوحيد هو جلالة الملك. أردنا إسماع صوتنا وناشدناه ونناشده إلى اليوم من أجل إنصافنا ورفع ظلم يمتد لعقود عنا، أنهى ماضينا ويتربص بمستقبل أطفالنا"، يقول عثمان، مؤكدا أن قرار التوجه إلى باب السفراء كان عفويا، قبل أن تقابله عناصر الأمن بالقمع والضرب والمطاردات واعتقال ثلاثة من أبناء الحي، لا لشيء إلا "لأننا طالبنا بواحد من الحقوق الأساسية التي يتعين على الدولة نفسها ضمانها". خروج المعتقلين، لم يمنع في المقابل توالي الاحتجاجات، "إيلا غير الحبس راحنا عايشين فيه"، تقول إحدى نساء الدوار، فيما ترد عليها نسوة أخريات أن السكان هذه المرة متحدون ولن يتراجعوا إلى حين الإنصاف، "صار هذا الموضوع، هو موضوع الساعة، لا حديث إلا عنه، متى اجتمع إثنان أو أكثر، فكونوا واثقين أن حديثهم يتمحور أساسا حول المشروع ومن سيستفيد ومن حرم، وأين ستكون الاستفادة". لائحة مطالب مقابل سياسة اللامبالاة والصمت، يجمع سكان الدوار على تحديد لائحة مطالب اعتبروها خطا أحمر لا تراجع عنه، وأرضية لأي حوار محتمل. مطالب صارت تتصدر شعاراتهم في كل محطاتهم النضالية "أول مطلب فالدوار، كرامة الإنسان"، "ثاني مطلب اللائحة تجي في الحال"، "ثالث مطلب في الدوار التنسيق مع السكان"، و"رابع مطلب الاستفادة بعين المكان والتهجير ماشي مزيان"، "خامس مطلب الاستفادة شبابية"، "سادس مطلب الأرامل بالمجان والعجزة بالمجان"، "سابع مطلب الطفولة تكبر مزيان". إنجاز: هجر المغلي - تصوير (عبد المجيد بزيوات)

دوار الكرعـة… مأسـاة قـرن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الزكام ... التهابات خطيرة في الرئة

تسجيل 1108 حوادث سير و14 قتيلا في أسبوع

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات