البيضاء … مراحيض الهواء الطلق

غياب دورات مياه عمومية واستيلاء مشردين على الموجود منها حولا شوارع المدينة إلى خلاء مفتوح يشتكي المواطنون بالبيضاء من قلة المراحيض العمومية، وإن وجدت تكون حالتها متدهورة، ما يضطرهم إلى قضاء حاجتهم في الشارع، وعلى مرأى من المارة، أو الاستعانة بالمقاهي والمطاعم، التي تقوم أغلبها بإغلاق المراحيض في وجه غير الزبناء، الأمر الذي يزيد من معاناتهم، خاصة النساء ومرضى السكري. غياب ثقافة النظافة عند معظم المغاربة، دفع مجلس المدينة إلى اعتماد مراحيض عصرية تقوم بالتنظيف والتعقيم بشكل أوتوماتيكي. إنجاز: مصطفى شاكري روائح كريهة تزكم أنوف المارة في شوارع وأزقة البيضاء، جراء "تبول" المواطنين في الساحات والحدائق والبنايات المهجورة. أماكن حولوها إلى "مراحيض مفتوحة" بسبب غياب المراحيض العمومية وتدهور وضعيتها، ما يجعل البيضاويين في عملية بحث شاقة عن الهواء النقي بشكل يومي. سياح غاضبون يشتكي الأجانب القاطنون في المغرب والسياح من غياب ثقافة النظافة في المجتمع المغربي، إذ يستغربون من ندرة المراحيض في الأماكن العامة، وإن وجدت تكون حالتها كارثية، ما يضطر المواطنين إلى قضاء حاجتهم في الشارع وعلى مرأى من المارة. سعيد، مرشد سياحي في البيضاء، يقول إنه "يجد صعوبة في السفر مع السياح وإرشادهم إلى الأماكن التي يودون زيارتها بسبب قلة المراحيض العمومية العصرية، ما يجعله يحس دائما بالإحراج إذا ما سئل عن المرحاض". البحث عن مكان لقضاء حاجتك يتطلب منك وقتا طويلا في البيضاء، عل وعسى أن تعثر على مرحاض يرثى له، تفوح منه رائحة التبول. وفي الغالب يضطر كثير من المواطنين إلى ولوج المقاهي، ويطلبون من النادل السماح لهم باستعمال المرحاض، وإذا قوبل طلبهم بالرفض، فإنهم يتخذون من الأزقة ملجأ لقضاء حاجتهم. حالة يرثى لها "الكلاس"، "دار لوضو"، "الكبينة"، "بيت الراحة" هي تسميات مختلفة لكن المعنى واحد، وهو مكان قضاء الحاجة، الذي يصنف ضمن الأماكن الحيوية في الثقافة الشعبية. تنتشر المراحيض في عدد من شوارع البيضاء، مثل شارع الزرقطوني ومحمد الخامس ورحال المسكيني وساحة وادي المخازن وباب مراكش والجيش الملكي ودرب عمر وغيرها، ويعود تاريخ تشييدها إلى النصف الأول من القرن العشرين خلال الحماية الفرنسية. جحور قذرة تغيب عنها أبسط الشروط الصحية، وتنبعث منها روائح كريهة بسبب غياب التنظيف من قبل المشرفين عليها. في شارع الجيش الملكي، يوجد مرحاض عمومي مغلق في ممر تحت أرضي. برك مائية آسنة بالأرضية. قاذورات ونفايات تغطي جوانب الممر الأرضي، الذي تحول إلى مرتع للمتشردين، بل وأضحى مسرحا لعمليات السرقة. قالت مالكة كشك لبيع الجرائد، بالقرب من المرحاض، إنه شوه جمالية المكان، وجعل التنفس صعبا بسبب الروائح الكريهة، إضافة إلى غياب الأمن خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل. ممنوع البول تنتشر في المدينة القديمة لافتات وكتابات حائطية في جدران بعض المنازل، كتب عليها "ممنوع البول هنا وشكرا" أو "ممنوع رمي الأزبال والتبول" أو "التبول=100 درهم"، وغيرها من العبارات التي تحث عابري السبيل على احترام نظافة الأماكن العمومية. أمام باب السوق النموذجي، اتكأ رجل خمسيني على حائط للتبول، دون اكتراث لانتقادات المارة، وفور انتهائه، انصرف كأن شيئا لم يحدث. مشاهد يومية تتكرر كل يوم، إلى أن صارت من عادات المغاربة، ولم تعد محط استهجان، لأن أغلب "مقترفي" هذه الأفعال يعتبرون تصرفاتهم بمثابة احتجاج ضد غياب المراحيض العمومية بالبيضاء. جمال (28 سنة)، يقول إن "من يستحق المحاسبة هم المسؤولون المحليون الذين فشلوا في توفير أبسط المرافق العمومية للمواطنين، فما بالك بالمشاريع الكبرى. نحن من يجب علينا أن نتذمر ونحتج على الواقع البئيس، وليس المسؤول الذي يتهمنا بتشويه المنظر العام لأنهم لو وفروا المراحيض لما لجأ الناس إلى التبول في الشارع". من جانبه، أوضح سعيد، أحد سكان البيضاء، أن أي شخص لا يرضى لنفسه أن يتبول في الشارع العام إن لم يكن مضطرا، لكن التدبير الكارثي للمجالس ساهم في انتشار الظاهرة، مستطردا في القول "النظافة من الإيمان، إلا أنه لم تعد لا نظافة ولا إيمان في هذه المدن". استعمالات أخرى أشار موظف في الجماعة الحضرية سيدي بليوط، إلى أن مهمة تسيير المراحيض تسند إلى الخواص، لكن حالتها متدهورة، إذ تعاني اختناق مجاري المياه وتكسير الأبواب وافتقارها لمياه النظافة والكهرباء. وأضاف أن هذه المراحيض تستغل في غير الأغراض التي أنشئت من أجلها، مثل المبيت الليلي وكرائها لفائدة المتسولين والغرباء بمقابل يصل أحيانا إلى 20 درهما لليلة الواحدة، وتحولت أخرى إلى مطارح للأزبال ومخابئ للمنحرفين، كما تقوم بعض عاملات الجنس بتغيير ملابسهن فيها. ملجأ المقاهي تتجه أغلب المقاهي إلى منع المواطنين من استعمال المراحيض، وتوفر هذه الخدمة لزبائنها، بحجة أن المقهى فضاء يستفيد منه الزبناء فقط، الأمر الذي أكده نادل في مقهى بساحة ماريشال، بقوله "إن المقهى غير ملزم بأداء مهام المجلس الحضري، ذلك أن المراحيض تتضرر بسبب عدم تنظيف الغرباء لفضلاتهم وأوساخهم، ما دفعنا إلى صد أبوابها بواسطة قفل، نسلم مفاتيحه للزبناء لا غير". معاناة النساء أبرز بوعزة الخراطي، رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، أن أوضاع المراحيض كارثية، إذ أن الفئة المتضررة بشكل كبير هي النساء والمصابون بداء السكري، قائلا "الجماعات المحلية غير واعية بخطورة انعدام المراحيض، فهي توفر على الأقل فرص الشغل، وإذا كانت المجالس غير قادرة على إنجاز هذه المهمة، فيجب على وزارة الداخلية وضع برنامج وطني لتجهيز المدن بالمراحيض". أماكن عصرية من جهته، أوضح أحمد بريجة، عضو في لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى بمجلس البيضاء، أنه لا يوجد لحد الآن أي إجراء أو تحرك ملموس قصد معالجة مشكل المراحيض العمومية، مؤكدا أن المجلس قام بإحصاء عددهم، لكن لا يوجد برنامج للإصلاح وإعادة الاستغلال، مشيرا إلى أنه اقترح تفويضها للخواص لتوفير أنشطة مدرة للدخل لفائدة الشباب. وبخصوص إحصاء المراحيض في البيضاء، أكد محمد توفيق الناصري، الكاتب العام لمجلس المدينة، أن عددها 13 مرحاضا، مبرزا أن المجلس لا يتوفر على تصور لإصلاح المراحيض إلى غاية الآن، بسبب المشاكل الكثيرة التي تتخبط فيها، إذ أن المراحيض المتنقلة التي اعتمدها المجلس أثبتت فشلها، موضحا أنه يعكف حاليا على مشروع تهيئة مراحيض عصرية، تقوم بالتنظيف والتعقيم بشكل أوتوماتيكي، بقيمة مالية تبلغ 10 ملايين درهم على غرار تجربة باريس في هذا المجال. النظافة غائبة قال علي الشعباني، عالم اجتماع، إن غياب ثقافة النظافة ليس بالأمر الجديد، بل كان حاضرا دائما في المجتمع المغربي، لأن السكان كان يغلب عليهم الطابع القروي إلى مدى قريب، إذ كانوا يقضون حاجتهم في الخلاء وبين الوديان والأحراش والأشجار، باستثناء بعض الفئات في المدن الكبرى.وأضاف أن المرحاض لم يكن معروفا عند العامة، وإنما كان ما يسمى بـ "الكلاس"، وهو عبارة عن إناء يقضون فيه الحاجات ويكلفون الخدم برميه في مزابل قريبة من الأحياء، وانتقلت بذلك تلك العادة من القرى إلى المدن، خاصة لما استوطن القرويون في المدن الهامشية أو الصفيح.

البيضاء … مراحيض الهواء الطلق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مسرح وموسيقى في يوم النزيل

الانتخابات الجزئية تحرج الفريق الاتحادي

مقالات ذات صلة