إشكالية تحرير الأحكام من قبل القاضي

الحكم عمل شكلي كغيره من الأعمال الإجرائية ` شكل موضوع تبسيط المساطر القضائية منذ نهاية التسعينات أحد أولويات عمل الحكومة بشكل عام، وبشكل خاص، من خلال عمل وزارة العدل في مجال تحديث الإدارة القضائية، فلا شك أن متطلبات النجاعة القضائية والأمن القضائي تحظى اليوم بأهمية إستراتيجية في مجال تطوير جودة الخدمات القضائية، ودعم شفافية العلاقة بين القضاء والمتقاضين، وتحسين مناخ الأعمال ببلادنا، وذلك وفقا للتوجهات والخطب الملكية السامية، خاصة خطاب 20 غشت 2009، الذي شكل نبراسا جرى الاقتداء به والعمل على تنزيل مضامينه، وما جسده من توجيهات للرفع من النجاعة القضائية، والتصدي لما يعانيه المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطء العدالة، ولما يقتضيه الأمر من تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الأحكام والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات، وتنفيذ الأحكام. (2/1) بقلم: محمد الزكراوي * رغم إسهامات القوانين الإجرائية المتعلقة بكل من المسطرة المدنية والجنائية خلال أزيد من أربعين سنة من تطبيقها، في جملة من التعديلات في إطار ملاءمة مقتضياته مع مستجدات بعض القوانين، أو تبسيط بعض الإجراءات، إلا أن تلك "التعديلات أبانت عن محدوديتها أمام ضرورة إصلاح شامل، يتطلب تحقيق الفعالية والنجاعة، وفق مساطر مبسطة والتجاوب مع السياق العام لتحديث منظومة العدالة"، ولا شك أن موضوع صياغة وتحرير الأحكام القضائية من قبل قضاة المحاكم، يشكل أحد المحاور الأساسية والأولويات التي تفرض وجودها في صميم ودائرة الإصلاح الشامل لمنظومة قطاع العدالة، فقد بات ضروريا ولمواكبة مستجدات التطور العلمي والتكنولوجي وتأمين الولوج إلى عدالة سريعة وبأقل التكاليف، واختصار الآجال المتعلقة بالبت في القضايا المعروضة على ردهات المحاكم، تمكين القضاة من الظروف المواتية لعملهم سواء على مستوى الظروف الموضوعية أو تلك الذاتية منها. وارتباطا بالموضوع الذي يدور حول إشكالية وجدلية تحرير الأحكام القضائية من قبل القاضي وتحقيق النجاعة القضائية، سنتطرق من خلال هذا الموضوع إلى طرح الإشكالية، بما يواكب حجم العمل الملقى على عاتق القضاة، مع التأكيد على أن الهدف من هذه الدراسة يكمن في نهاية المطاف إلى تحقيق العدالة الزمنية وهي الغاية المتوخاة من كل مشاريع تطوير العملية القضائية خصوصًا في الدعاوى المعروضة على القضاء. إن أهمية الوقت وتدبيره أصبحت من أسس ومرتكزات علم الإدارة ونهج الحكامة الجيدة، ففي ظل مناخ تنافسي يؤمن بالجودة، والدقة والسرعة، فالقضاء بدوره أصبح مطالبا أكثر من أي وقت مضى بتجاوز الوضعية السابقة من أجل ضمان تصريف الخدمات في وقت معقول ومناسب، ذلك أن معالجة إشكالية تحرير الأحكام القضائية بطرق تواكب متطلبات الأمن القضائي والنجاعة القضائية ستسهم لا محالة في ضمان تبسيط الإجراءات وتوجيه وإرشاد المتقاضين إلى الوجهة الصحيحة، بدل ضياع الوقت بين مرافق المحكمة، ما سينعكس إيجابا أيضا على تخفيف الاكتظاظ، والتماطل والتباطؤ والتلكؤ في إطار من الشفافية والوضوح، فالحكم القضائي كغيره من الأعمال الإجرائية هو عمل شكلي، وتتمثل الشكلية في النطق به وكتابته، لذلك استلزم المشرع أن يكتب الحكم في مسودة ونسخة أصلية، إذ أن المسودة تكتب قبل النطق بالحكم ويوقع عليها القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في المداولة، وتودع عند النطق بالحكم، وإلا كان الحكم باطلا كما تحفظ المسودة بملف الدعوى، ولا تعطى منها نسخة لأحد، وإنما يجوز للخصوم الاطلاع عليها أثناء تسليمها للمحضر للتنفيذ بمقتضاها وإعادتها بعد الانتهاء من التنفيذ في الأحوال التي تحددها المحكمة. فلا يكتمل صدور الحكم بمجرد النطق به بل يجب تدوينه واشتماله على بيانات معينة يستلزمها القانون لصحة الحكم، وتتمثل في البيانات الواردة خاصة في الفصول 50 و345 و375 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على الشكليات و البيانات التي يجب أن تشتمل عليها الأحكام والقرارات التي تصدرها المحاكم بالإضافة لأحكام المادة 16 من مشروع تتميم قانون المسطرة المدنية،وهي المقتضيات نفسها التي استوجبتها المواد 464 و365 من قانون المسطرة الجنائية، وكذلك الفصل 6-347 من مشروع قانون المسطرة الجنائية إبان تتميم ومراجعة أحكام قانون 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية. والمتتبع لتلكم المقتضيات و البيانات الواجب تضمينها بمسودات ونسخ الأحكام، سيجد نفسه أمام متطلبات وجهد كبير من قضاة المحاكم وهم يقومون بعمليات تحرير الأحكام القضائية، خصوصا أن العملية لا تحتاج فقط لوقت زمني بل تتعداه إلى استغراق جهد وتفكير عميق في صياغتها وتضمينها، فتحرير الأحكام والقرارات القضائية، يستلزم الإشارة فيها إلى جميع الإجراءات المتخذة في القضية بالإضافة إلى الإشارة إلى أن المناقشات كانت علنية أو سرية، وبأن الحكم قد صدر في جلسة علنية مع وجوب عرض الوقائع والدفاع والمستنتجات بيان الأدلة والحجج مع التعليل وأخيرا توقيعها. فإذا كان من الطبيعي احترام الشكليات المستوجبة بصحيح القانون في تحرير الأحكام، باعتبارها شكليات أوجبها القانون وجعلها من متعلقات النظام العام، ويؤدي عدم التقيد بها إلى البطلان، فإن تقييد القاضي في تحرير الأحكام والقرارات القضائية، بلغة كتابتها وميعاد تحريرها، والتقيد بموضوع الدعوى وطلبات ودفوعات الخصوم، بالإضافة إلى الإجراءات المتخذة في القضية، وبيان الأدلة والحجج، إلى جانب ذكر التعليل والنتيجة القانونية، سينعكس سلبا عن أداء الوظيفة القضائية التي تتطلب وقتا وحيزا زمنيا من أجل ضمان مردودية وحكامة فعالة في بلوغ جودة الأحكام وعدالتها، ذلك أن ما تتطلبه عملية تحرير الأحكام وصياغتها ونسخها ثم طبعها، يثقل كاهل القضاة ويستغرق كل قواهم الفكرية والبدنية مما يترتب عنه بطء في البت وتلكؤ قي التنفيذ وضياع لحقوق المتقاضين. فإذا كان قانون المسطرة المدنية لم يحدد ميعادا لتحرير الأحكام، فإن القانون المحدث للمحاكم التجارية نص في مادته 17 على أنه " لا يسوغ النطق بالحكم قبل تحريره كاملا"، كما أن جميع محاكم المملكة تنص في محضر جمعياتها العمومية على ضرورة تحرير الأحكام قبل النطق بها، الشيء الذي ينعكس معه سلبا على مرودية العمل القضائي بإلزام القاضي بتحرير الحكم وفقا لآجال و مواعد محددة مسبقا. * باحث في الشؤون الإدارية والقانونية

إشكالية تحرير الأحكام من قبل القاضي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال وسيط في دعارة الخليجيين

جدول أعمال مجلس الحكومة اليوم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات