المساعدي… قائد مغتال بنيران صديقة

يعتبر اغتيال عباس المساعدي، قائد جيش التحرير في الريف الشرقي، أهم وأكبر جرائم قتل فدائيين بعد استقلال المغرب، في حادث يعتبر لغزا حير الجميع، في ظل غموض كبير يلف طريقة تصفيته قرب عين عائشة بتاونات، قبل نحو 61 سنة، في ظل تضارب الروايات حول ظروف وحيثيات ودوافع ذلك. كبر اسم هذا القائد مبكرا بالبيضاء إلى جانب رفاقه من أمثال إبراهيم الروداني ومحمد الزرقطوني، قبل التحاقه بالريف لاقتناعه بفكرة تنظيم الشعب بالجبال والبوادي لاستنزاف الاستعمار، بعدما ذاق عذاب الاعتقال من قبل الاستعمار الفرنسي، طيلة 22 يوما في 1953، وعرف بشجاعته وصموده وبسالته. تبرر عائلة عباس ابن سيدي مساعد تزارين ضاحية ورزازات، الذي استقر بتاركيست وتطوان قبل الناظور، تخندقه في جبال الريف الشامخة حيث احتضنه أبناؤها بصدر رحب، بحماية نفسه من مطاردة السلطات الاستعمارية التي اعتقلته عدة مرات، قبل أن يتحول إلى قائد للمقاتلين في معاركهم البطولية. استغل الرجل تجربة أبناء الريف في القتال ومقاومة الاستعمار الإسباني مستفيدين من تجربة الخطابي، واندمج سريعا في صفوف مجموعاتهم الصغيرة، منذ حلوله بالمنطقة في خامس يوليوز 1955، متفهما حساسية أغلبهم من حزب الاستقلال وقادته ممن وقعوا اتفاقية إكس ليبان ضد إرادة جيش التحرير. اتخذ عباس الذي تعلم سريعا اللهجة الريفية التي مكنته من الاندماج والتجاوب السريعين بين أهالي المنطقة، من الناظور مقرا مركزيا لقيادة جيش التحرير، قبل أن يشرع في بناء التنظيم الكفاحي على خط الجبهة من قبائل آيت سغروشن وآيت وراين وآيت يزناسن، مرورا بمثلث الموت مرنيسة مطالسة. سطع نجم هذا الرجل الذي أحب وطنه إلى حد الجنون، وحاز رضى وارتياح أبناء الريف ممن جعلوا منه قائدا لهم سيما لتشبثه بمواقفه الرافضة لإلحاق جيش التحرير بحزب الاستقلال، قبل أن ينصبوه خليفة للخطابي في الريف، ما جلب له حقد خصومه من قادة الحزب الذين يشتبه في تخطيطهم لاغتياله. في يوم 27 يونيو 1956 اغتيل عباس أبرز مؤسسي جيش التحرير وقادته الميدانيين، وووري جثمانه دون أن تظهر الحقيقة رغم التصريحات الملامسة لجزء من الحادث الغامض، وادعاء حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، ضلوع المهدي بنبركة في ذلك في "تغريدة" أمطرته بوابل من الانتقادات. رفاق القائد الهالك برؤوا الزعيم بنبركة من دم زميلهم، مكذبين ادعاء المحجوبي أحرضان، في مذكراته، وجود قاتله على قيد الحياة بالدار البيضاء، أو معرفته والتقائه به، عكس أسرته التي لم تنكر وجود تحريض معلن من طرف قادة حزب الاستقلال، ضده في ظل الأجواء المشحونة المرافقة لاستقلال المغرب. ولتبرير ضلوع قادة استقلاليين في تصفيته، استحضرت أسرته المتداول من معلومات عن تحذير عباس الفاسي للملك محمد الخامس، من المساعدي "الجمهوري"، والعلاقة المتوترة بينه وبنبركة، مؤكدة أن الغزاوي مدير الأمن آنئذ، نفذ أوامر بتصفية عباس المدفون أولا بفاس قبل نقل جثمانه لأجدير. يبدو أن استقالة المساعدي من حزب الاستقلال قبل أقل من شهر من قتله، وحركيته وديناميته وسفرياته، جلبت له عدة مشاكل سيما بعد تعاظم دوره القيادي ولقائه المباشر بمحمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة، ورفضه إلحاق جيش التحرير بالشمال الشرقي بالحزب، قبل أن يموت ب"نيران صديقة". وفي غياب أوجه الحقيقة كاملة، يبقى اغتيال عباس المساعدي أخطر ملفات القتل والاغتيال السياسي بالمغرب بعد الاستقلال، باعتباره ملفا ملغوما وغامضا لم تكشف كل خباياه مختلف الكتابات المتطرقة إلى ذلك، وبينها كتاب "عباس المساعدي، الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير" لمؤلفه محمد لخواجة. حميد الأبيض (فاس)

المساعدي… قائد مغتال بنيران صديقة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

2.38 مليون زائر لمعرض الشارقة

جرائم فجر الاستقلال ... حرب أهلية بين الأحزاب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات