الهلال الأسود أدت ثمن رفض الاستقلال

وحيد الباحث المختص في الحركة الوطنية أكد أن بنبركة حاول تقوية موقعه لحسم الصراع مع القصر أكد الدكتور محمد وحيد، الباحث المتخصص في الحركة الوطنية أن الصراع بين الراديكاليين داخل حزب الاستقلال، وبعض المنظمات المسلحة التي رفضت الاحتواء من قبل الحزب، تفجر مباشرة بعد الاستقلال. وأوضح وحيد في حوار مع "الصباح" أن المهدي بنبركة حاول استقطاب عناصر من جيش التحرير والمقاومة بهدف تقوية جناحه استعدادا للصراع مع القصر وحسم معركة الإمساك بخيوط اللعبة السياسية. في ما يلي نص الحوار: < ما هي أسباب الصراع الذي تفجر بين حزب الاستقلال وعدد من المنظمات المسلحة، والذي أدى إلى تصفيات واغتيالات؟ < مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، بدأت بوادر الصراع بين الراديكاليين داخل حزب الاستقلال، وبعض المنظمات المسلحة التي رفضت الاحتواء من قبل الحزب، أي حزب الاستقلال ما قبل 6 شتنبر 1959. ومن بين هذه المنظمات الهلال الأسود التي كانت تضم مقاومين لهم تربية استقلالية ومقاومين من الحزب الشيوعي المغربي، وآخرين من الشورى والاستقلال، ومقاومين بدون انتماء سياسي. وحاول المهدي بنبركة خلال لقاء مع عدد من قادة الهلال الأسود، وعلى رأسهم عبد الله الحداوي، دفع المنظمة إلى قبول الاندماج في الحزب، لكنهم رفضوا العرض، رغم الإغراءات التي قدمت لهم آنذاك. كما تكرر لقاء آخر جمع هذه المرة المهدي بنبركة وأحمد الشرايبي، وهو شقيق العربي الشرايبي، الخبير المحلف لدى المحاكم بالمغرب، واقترح عليه أن يسلمه الطابع الذي تذيل به منظمة الهلال الأسود منشوراتها، لكن رفض معللا بأن الأمر يتجاوزه، ويتطلب العودة إلى قيادة المنظمة، مؤكدا للمهدي بأن لا ينتظر ردا بالإيجاب، لأن المنظمة تنظيم مسلح، وليست تنظيما حزبيا. < عرفت هذه المرحلة العديد من التصفيات التي طالت عددا من القيادات. نريد معرفة حجم هذه التصفيات ونوعيتها. < الأكيد أن الصراع حول من سيمسك خيوط السلطة بعد الاستقلال، هو الدافع وراء مسلسل الاغتيالات والاختطافات بين تنظيمات برهانات مختلفة، وكلها مسلحة. وأذكر هنا أن أحمد الشرايبي الذي رفض التعاون مع قادة الاستقلال، وتسليم الطابع الذي توقع به الهلال الأسود منشوراتها، كان أول الضحايا، بعد تلقيه تهديدا بالتصفية، إذ تعرض مباشرة إلى الاغتيال، وهو في طريقه إلى البيضاء التي كانت تستعد لاستقبال السلطان محمد بن يوسف، في أول زيارة له للبيضاء بعد العودة من المنفى. وقد وضعت جثته داخل كيس وألقي بها قرب إعدادية كريت بساحة السراغنة. وقد انتشر الخبر بسرعة وعلمت به ثريا الشاوي، لتتصل بعامل البيضاء أحمد بركاش، لتخبره بأن الشخص الذي عثر على جثته يوم 8 فبراير 1956، شوهد ليلة قبل ذلك صحبة أشخاص يدخلونه إلى محل لصنع مادة "جافيل" في ملكية إبراهيم الروداني، يقع بزنقة موناستير. < إذن في رأيك رفض الاندماج بحزب الاستقلال هو أحد أسباب الصراع بين الهلال الأسود والمنظمة السرية. < نعم هذا من بين الأسباب إلى جانب أسباب أخرى، فقد ردت الهلال الأسود على اغتيال الشرايبي، ووجهت أصابع الاتهام للمنظمة السرية التي كان يشرف عليها المهدي بنبركة والفقيه البصري. وحتى ثريا الشاوي، وبسبب شهادتها بخصوص اغتيال الشرايبي، لقيت المصير ذاته، إذ ستتم تصفيتها يوم فاتح مارس 1956، بباب منزلها، بعدما فاجأها شخصان على متن دراجة نارية، وهذه الرواية، هي الأقرب من روايات أخرى حاولت تفسير الجريمة برفضها تسلم بطاقة الانتماء الى حزب الاستقلال، لأن أسرتها كانت شورية الانتماء، وكان والدها عبد الواحد الشاوي صاحب مطبعة، وهي التي ألقت بمنشورات من الطائرة تحيي السلطان محمد بن يوسف العائد من المنفى. < تتحدث العديد من الكتابات حول تصفيات بالجملة خلال 1956، وبالطريقة نفسها، في ظل التصعيد مع الهلال الأسود؟ < صحيح تحول جناح بالدائرة الأمنية إلى مركز لاعتقال المغضوب عليهم من قبل المنظمة السرية التي استقطبها حزب الاستقلال. وقد بلغ عدد قتلى الهلال الأسود أزيد من 22 شخصا، أي أزيد من عدد المقاومين الذين نفذت فيهم السلطات الفرنسية الإعدام. وإذا أضيف إليهم عدد آخر من المختطفين سنة 1956، سيصل العدد إلى حوالي 38 شخصا. وكان بين الضحايا أيضا المهندس الجيولوجي عبد الكريم بنعبدالله، وهو من أصل جزائري، ولد بتلمسان، والتحق بالمغرب ليشتغل بإدارة المعادن، وأصبح عضوا قياديا قي الحزب الشيوعي المغربي. وجرى اغتياله مساء السبت 31 مارس 1956، بطريق مديونة، بعد أن غادر بيته. وتورطت في تصفيته الجهة ذاتها التي اتهمت باغتيال الشرايبي وثريا الشاوي. ويبدو أن القتلة أخطؤوا في بنعبدالله، فقد كان المستهدف هو عبدالله العياشي الذي كان يقطن في العمارة نفسها مع بنعبدالله. ومن بين الأسماء التي راحت ضحية هذه التصفيات أيضا الدكتور عمر الإدريسي، والذي اغتيل وهو يغادر المستشفى، في الوقت الذي تتحدث بعض المصادر أن المستهدف كان هو الهادي مسواك، والذي انتقل إلى فرنسا لتعويض طبيب هناك. وللإشارة ، يعتبر الإدريسي أول طبيب مغربي مختص في أمراض الأنف والحنجرة والأذن، وقد سقط يوم السبت 21 ابريل 1956، بإحدى أزقة مرس السلطان، قرب حديقة مردوخ، من قبل شخصين كانا على متن دراجة نارية ويحملان سلاحا ناريا من عيار 11.7 ميلمترا. < شملت التصفيات قياديين في الحزب الشيوعي المغربي إلى جانب الشوريين. ماهي خلفيات هذا الصراع بين الاستقلال والشيوعيين؟ < أغلبية أعضاء الحزب الشيوعي المغربي كانوا مستهدفين من قبل المنظمة السرية، بسبب مواقفهم، ومن بين الذين شملتهم الاغتيالات محمد السطي، الأمين الجهوي للحزب الشيوعي بالمدينة الجديدة بالبيضاء، والذي قتل يوم السبت 21 أبريل، من قبل المنظمة السرية، والتي حاولت اغتيال ثلاثة من قادته، وهم عبدالسلام بورقية، وعبد الله العياشي، وإدمون عمران المالح. < لم يسلم رموز الهلال الأسود من التصفية، حيث اغتيل لحسن الكلاوي، هو الآخر. ما هو رد فعل المنظمة على هذه التصفيات؟ < اتسمت هذه المرحلة بالتعقيد، لكن واقع الحال يؤكد أن أكبر عدد من الضحايا كان من صفوف الهلال الأسود. وفي يونيو 1956، اغتيل لحسن الكلاوي بحي لوازيس في البيضاء، والذي يعد بمثابة الأب الروحي لمنظمة الهلال الاسود، إذ يرجع إليه الفضل إلى جانب المهدي الناموسي وعبد الله الحداوي، في ظهور المنظمة، والتي اختار لها الحداوي الاسم، وهو الشاب المولع بقراءة سلسلة الهلال لجرجي زيدان. ومن بين الضحايا أيضا اعمامو الزياني، الذي جرت تصفيته يوم 30 يونيو 1956، بدرب البلدية، من قبل أربعة أفراد من المنظمة السرية، وقد أصابوا أيضا عبدالسلام رشدي من الهلال الأسود. ومن بين المختطفين الذين لم يظهر لهم أثر إلى اليوم محمد الرشيد، ومقاومون من تنظيمات أخرى. < كيف كان رد فعل سلطات البيضاء بعد هذا الانفلات الأمني وتكرار الاغتيالات؟ < أمام تكرار عمليات التصفية، اضطر أحمد بركاش عامل البيضاء إلى تقديم الاستقالة، لكن السلطان بن يوسف رفضها، وقد انتقل عبد الله الحداوي إلى الرباط لرفع تظلمه إلى السلطان مما تتعرض له منظمة الهلال الأسود، وتنظيمات المقاومة من بطش على يدا أعضاء المنظمة السرية، بتوجيه من قياديين في حزب الاستقلال. وعند خروجه من القصر، التقاه صدفة إدريس المحمدي، وزير الداخلية، ودار حديث بينهما، وربما صدرت، حسب بعض الشهادات، من الحداوي كلمات لم تعجب المحمدي، الذي اتصل مباشرة بالدائرة الأمنية السابعة، التي كان الحسين الصغير مسؤولا بها، وقال له بالحرف "ما نبغيش عبدالله يوصل للدارالبيضاء". وفعلا اغتيل الحداوي وثلاثة من رفاقه، وهم في طريق العودة من الرباط إلى البيضاء، قرب حديقة الحيوانات بعين السبع. < هل يعني هذا أن الداخلية كانت متواطئة مع المنظمة السرية في ما يجري من تصفيات؟ < معلوم أن وزير الداخلية ادريس المحمدي ومحمد الغزاوي، المدير العام للأمن الوطني، كانا من حزب الاستقلال، وادريس السلاوي، المسؤول بأمن البيضاء أيضا. وقد أدركت الهلال الأسود قبل اغتيال الحداوي أن قيادة الحزب تقف وراء تلك التصفيات، وقد حاولت في رد فعل تصفية المهدي بنبركة، التي تعتبره المسؤول الأول عما كان يجري آنذاك، وسخرت لذلك المقاوم ميلود الرباطي، العامل بمخبزة "غوتييه"، لكن وصل الخبر إلى المهدي قبل ذلك، واتصل بالرباطي يعرض عليه منصبا، لكنه رفض بمبرر أنه مجرد عامل ومستواه التعليمي لا يسمح له بتحمل أي مسؤولية. وفي الحقيقة كان الرباطي يريد أخذ مسافة بينه وبين مسؤولي حزب الاستقلال وقادته الراديكاليين، الذين كانوا وراء اضطهاد المقاومين في الهلال الأسود. القصر هو المنتصر < لماذا احتد الصراع بين الاستقلال والهلال الأسود إلى هذه الدرجة؟ < حاول المهدي استقطاب عناصر من جيش التحرير أيضا، بهدف تقوية جناحه، استعدادا للصراع المقبل مع القصر، وحسم معركة الإمساك بخيوط اللعبة السياسية. وكان شعاره "الحزب يخطط والقصر يوقع والهلال تنفذ أحب من أحب وكره من كره". وحاول المهدي في أحد لقاءاته مع الحداوي في بيت أحد أفراد أسرة حكم، معرفة العدد الحقيقي لرجال جيش التحرير، لكن دون جدوى، رغم الإغراءات بمنحهم وظائف. وأعتبر أن القصر هو الذي خرج منتصرا من هذا الصراع الدموي، والتصفيات، لأن المهدي عمل بوعي أو بدون وعي على تشتيت المقاومة وإضعافها. في سطور من مواليد البيضاء أستاذ باحث متخصص في الحركة الوطنية أستاذ سابق بالمركز التربوي الجهوي درب غلف حاصل على الدكتوراه في موضوع " مساهمة في دراسة الحركة الوطنية المغربية... مقاومة الدارالبيضاء 1956-1952. صدر له "شهداء وجلادون... بحث في ذاكرة المقاومة والاضطهاد الحزبي" "الهلال الأسود... التأسيس والاستئصال 1956-1953 أجرى الحوار: برحو بوزياني

الهلال الأسود أدت ثمن رفض الاستقلال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

هذه مقدمة قرعة كأس العالم بموسكو

"إيكس ليبان"... بداية تصدع المقاومة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات