لا عزاء

لا يمكن أن نطوي الموضوع بمجرد بحث قضائي لتحديد المسؤوليات المباشرة وترتيب الجزاءات، وينتهي الأمر. فما وقع، الاثنين الماضي، بسجن تولال 2 بمكناس، أخطر من اختزاله في حزمة محاضر وتقارير وأحكام وإجراءات إدارية احترازية قد يطويها النسيان بعد حين، لكن المؤكد أن روح عبد الكبير العمرني، الشاب ذي 36 ربيعا وأب لثلاثة أطفال، لن تغادر سماءنا، وستظل تحلق وتحلق، كي تُذكرنا، في كل الأوقات، أن شيئا ليس على مايرام في هذا البلد «العزيز». قد يكون الموت قضاء وقدرا لا راد لهما، لكن عبد الكبير استشهد لأنه وجد نفسه، في لحظة زمنية فارقة، أعزل وسط معادلة غير متكافئة: طرفها الأول، قائد مرب منضبط باللوائح القانونية الداخلية الصارمة وملتزم بقواعد وأدبيات حقوق السجناء، وطرفها الثاني سفاح بسوابق إجرامية مصنف في فئة «الخطير جدا». مجرم بالفطرة، لا يفرق بين إزهاق روح وسلخ جلد خروف. مات «عبد الكبير» لأنه لم يستطع مجاراة عقل متعطش للدماء كان منشغلا، طول الوقت، بتدبير جريمة نكراء ضد ضحية جديدة، كما فعل في جرائم سابقة بعدد من السجون المغربية، بدءا من أكادير، ومرورا بالمركزي بالقنيطرة ومول البركي بآسفي، إذ ضبط في عدد من الحالات متلبسا بمحاولات فرار، كانت تنجم عنها اعتداءات عنيفة أودت بحياة رجل أمن، وموظف سجن، وإصابة عدد من الموظفين والحراس. مجرم فوق العادة كان يتمتع بكل «الامتيازات» التي يتيحها له أولا، إفلاته من تنفيذ عقوبة الإعدام الصادرة في حقه في أحكام نهائية، وثانيا من الوضعية المريحة، نسبيا، التي كان يتمتع بها ويتحرك بها بالمؤسسات السجنية المرحل إليها، بداعي احترام «حق السجين» بشكل مطلق دون تقييد، خوفا من ملاحظات وانتقادات. في وضعيات مشابهة، وحتى في الدول الديمقراطية الراسخة في تقاليد حقوق الإنسان، يجري التعامل مع السجناء المصنفين خطرا وفق ضوابط وإجراءات أمنية خاصة شديدة الصرامة، دون المساس بالحقوق المخولة لهم داخل المؤسسات السجنية، كما تخصص لهم زنازين وأماكن معزولة، وأوقات محددة للفسحة والأكل والاستحمام تحت مراقبة أمنية لصيقة. وأول إجراء احترازي وردعي لا يقبل أي مساومة بهذه الدول، تنفيذ العقوبات والأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم، وضمنها الإعدام، إذ يتابع الرأي العام الدولي يوميا أخبار الإعدامات بأشكال مختلفة، (حسب قوانين الولايات) في أمريكا، دون أن ينتقدها أحد على خرق حقوق الإنسان. ومن المستحيل أن يتسامح أحد، حقوقيا وقانونيا، مع مجرمين مستعدين أن ينزعوا منك أسمى حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، وأي خلل أو ترهل في ذلك، يعني إزهاق أرواح وإصابة أبرياء بعاهات مستديمة، كما وقع بمكناس، الاثنين الماضي، وكما وقع في مرات سابقة، وقد يقع في مرات أخرى، إذا استمرت الأمور على الحال نفسه. رحم الله عبد الكبير العمرني، وجميع شهداء الواجب، ولا عزاء في وطن يقدم أبناءه قرابين للاستهتار والتراخي في تنفيذ القانون الذي تكون نتائجه، في بعض الأحيان، تراجيدية لا يمحوها الزمن.

لا عزاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

استئناف محاكمة رئيس جماعة بالجديدة

حجاج يتهمون وكالة أسفار بالنصب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات