الأنتـرنت… الـوسـيـط الجـنـسي البـديـل

الهروي قال إن الوسائط الجديدة أبعدت العلاقات الحميمية عن الضغط قال الباحث الهادي الهروي إن الوسائط الجديدة ووسائل الاتصال الحديثة أحدثت انقلابا في حياة البشر وتمثلهم للحياة والعلاقات بين الأفراد. في هذا الحوار يناقش الباحث في علم الاجتماع أوجه تأثير الانترنت على السلوك الجنسي للمغاربة. <ـ هل يمكن القول إن وسائط الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي أحدثا انقلابا في نظام القيم وتمثل الناس لذواتهم وللمجتمع.؟ < لا يشك أحد في كون وسائط الاتصال الحديثة (الكمبيوتر، والهاتف المحمول، والآيباد، والانترنيت...) ومواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، المسانجر، مواقع الفيديو التشاركية ، فليكر،اروميديا، ياهو فيديو وماي سبايس تي في، المحطات الفضائية...) قد أسست لأنماط حياة غير تقليدية سواء على مستوى السلوك أو العلاقات أو التفاعلات أو على مستوى تنظيم الجماعات وحتى على مستوى الأشخاص الممارسين أنفسهم والمستفيدين من الخدمات الالكترونية. فباندماجهم في العالم الافتراضي، تنتفي لدهم الهوية الخاصة والفضاءات المعلنة والحدود الجغرافية والقومية المحددة والزمان الفيزيائي. لقد أسست الانترنيت فضاء كونيا لا متناهي الأبعاد والمعالم والآفاق، يكون فيه الفرد أو الفاعل الاجتماعي السيبري حرا طليقا خارج القيم المتداولة محليا والأخلاق المتعارف عليها والمعايير ذات اليقين الإشهادي والاستدلالي في الواقع الطبيعي أو المعيش. فتفسح المجال لقيم كونية التداول، عالمية الرواج، افتراضية السرعة، لا مركزية الشخصية، استعارية الهوية والتسمية، تشاركية الصورة والتمثل، مثلما هو أمر نموذج حقوق الإنسان، وفضح الإبادة الجامعية والتطهير العرقي(الهورينغا) والاغتصاب والهجمات الإرهابية، والمهاجرين أو اخبار وصور المنتديات الرقمية (طبخ، سياحة، بيع، شراء، أزياء....). وهنا يمكن التحدث عن القيم الرقمية الخيائلية التي أفرزت مسوخات أخلاقية فاضحة لإنسانية الإنسان. ففرض الدخول إلى مجتمع العولمة، بثقافته الجديدة واقتصاده الجديد وعاداته وتقاليده ولغته وفاعليه الجدد ونمط عيشه المختلف عما نشئنا عليه، ساقنا إلى الانصهار في قيمه الجديدة التي نبذت القيم الإنسانية الطبيعية. وبذلك غدا كل ما كان يحدث بين الناس وجها لوجه افتراضيا ورقميا، والصداقة والحب والاحترام والالتزام والحق والعدالة والمسؤولية والعلاقات الاجتماعية والجوار وأشكال التضامنات والمشورة والحياة الحميمية داخل الأسرة تهاوت واندثرت وخابت لدرجة أضحى كل فرد "أو لاين" داخل الفضاء السيبيري بخدماته المتنوعة وخارج التغطية الطبيعية. < إلى أي حد ساهمت هذه الوسائط والوسائل في تيسير العلاقات الحميمية بين الجنسين؟ < إن المواطن الأنترنيتي المغربي، إسوة بباقي ومواطني العالم المتداولين لوسائط الاتصال الالكتروني، يتأثر بما جد في عالم الانترنيت، ويتفاعل مع مفاهيمها ولغتها وصورها وأحداثها بفعل رغبته في الإشباع المعرفي والرمزي والتخيلي الذي يزخر ب"ولادات"سوسيولوجية جديدة ، تجسدها ظواهر جديدة لم تكن معروفة من قبل، أو مسكوت عنها بفعل السلطة القمعية للدين وللطقوس وللقوانين الظاهرة/الخفية وباعتبارها طابوهات. من أبرز هذه الولادات تشكل علاقات اجتماعية افتراضية تلغى فيها الهيأة المادية للأفراد وتنعدم فيها حاسة اللمس والمواجهة الجسدية، ومعايير الحشمة والوقار والثقة والرحمة. إلا أنها تفسح المجال لنسج علاقات ودية أكثر حميمية وأكثر ابتعادا عن ثقل الواقع بقيمه وأخلاقه وتعاليمه الدينية. فقد فتحت للشباب الذي يعاني الفقر والبطالة والحرمان والكبت أبوابا سهلة لدخول عالم التواصل مع الجنس الآخر، بغض النظر عن انتماءاته الطبقية أو الإيديولوجية أو العقائدية أو القومية والعرقية.وسمحت له بالتدرج عبر الدردشة الالكترونية مع من يرغب وبكل اختيار، ثم بناء العلاقة العاطفية إلى القبل عبر الإيقونات ثم عبر "الكام" فتبادل الجنس بالصوت والصورة. وعليه، ساهمت هذه الوسائط والوسائل الرقمية في خلق جماعات متعددة الأبعاد والأهداف، فمنها جماعات الضغط وجماعات المنفعة وجماعات اللذة والرغبة، والجماعات الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو البيئية، ويسرت تقاربها وانسجامها ضمن منتديات أو مواقع ذات علاقات عضوية محددة فئويا. < هل تحول الأنترنت إلى وسيط دعارة؟ < انطلاقا مما سبق يمكن القول إن الأنترنيت، في كثير من مواقعه التي قد تتجاوز الستة ملايير وثلاث مائة وعشرين مليون موقع إباحي، وسيط بامتياز لمجموعة من الأفراد لتقاسم اللذة الجنسية مقابل المال وان يتشاركوا استهلاكيا ولفترة زمنية محددة لتحقيق هوايات إيروتيكية فاضحة. وبما أنه لا توجد ظاهرة في الواقع الحقيقي إلا ولها مثيل في العالم الافتراضي، فإن كثيرا من المواقع الإباحية المثيرة والمستفزة لها قوة خارقة على الجذب، وإخراج الفرد من القيود الاجتماعية والدينية والقيمية، فتُمسَخُ الآلة وفي تجريدية مطلقة من الأخلاق إلى وسيط أو "قوادة" تقدم الخدمة الجنسية كبضاعة تنفيسية وتفريغية عبر الخيال. وبناء عليه يقدم الأنترنيت خدماته الجنسية الافتراضية لكل الطبقات والأجناس والفئات العمرية، ولكل أشقياء العالم والمحرومين والمعوقين والمقموعين والمنافقين من "النساء والرجال العزب أو المتزوجين، الذين يتلهفون للجنس والدعارة، لكنهم يعانون من تحريمه خارج العلاقات الزواجية بفعل النفاق المؤسس للمجتمع" حسب "السليماني" في كتابها الصادر أخيرا والموسوم: "الجنس والكذب.. الحياة الجنسية في المغرب". إنهم يمارسون الجنس الافتراضي ويستهلكونه بتكلفة نفسية وعاطفية ومالية ثقيلة، ولكنهم لا يستمتعون به واقعيا لأنهم بؤساء. < ما هي مخاطر الأنترنت على التربية الجنسية لدى الأطفال وهل هناك إمكانية لتوجيه أو تقنين استغلالها من قبلهم؟ < يقول "هيربرت ماركوز": " إن التكنولوجيا ابتلعت الإنسان وحولته إلى سلعة" أي لكائن خشبي ذي بعد واحد. وهو المعنى نفسه الذي نستنبطه من دراسات "بير بورديو" عند كشفه عن مخاطر اللبيرالية الجديدة ووصف عالمنا بالبؤس والعبثية. ومن نتائج بؤس العالم هذا القلق الالكتروني والهوس الرقمي المولد للرغبة الجنسية والمال والعنف التي تهدده حسب "إدغار موران". فالجيل الرقمي في العالم الجديد السبيرني في ثقافته الخاصة ولغته ونمط حياته وتصرفاته وخضوعه لمنطق السوق ولرأسمالية الاتصال، يخضع لمخاطر منافية للأخلاق ومتعارضة والقيم الإنسانية العليا. ولعل من مساوئ وخطورة الأنترنيت مساهمتها في تحريف النشء على قيم التنشئة الاجتماعية الصحيحة التي من وظائفها التربية على أدراك التمايزات بين الذكر والأنثى وأدوارهما وخصائصهما، وتفتيت الترسبات الفارقية بينهما على المستوى التواصلي والقيمي والأخلاقي. إلا أن هناك إمكانيات وتقنين استغلال الانترنيت بالنسبة للتنشئة الاجتماعية من خلال التوجيه الصحيح والسليم لها ومراقبة اختلاء الأطفال والمراهقين ببيوتهم وضبط أوقات نشاطاتهم الالكترونية. فكثير من المربين والمناصرين للانترنيت يجدون فيها محاسن جمة، منها البعد المعرفي والتكويني إن على مستوى العلوم أو على مستوى المتعة واللذة الجنسية حيث تقي من الزنى المباشر والمعاصي والأمراض التناسلية والإجهاض والخيانة الزوجية. انقلاب في نظام القيم وسائل الاتصال التكنولوجية المختلفة والأنترنيت أحدثت انقلابا في نمط حياة البشرية بكل جهات العالم المتقدمة والمتخلفة وخلقت ثورة كوبيرنيكية و"غوتنبريغية" في تمثلات الناس لذواتهم وتصوراتهم لهوياتهم. فقد قلبت هذه الوسائل الوسائطية الرقمية تحكم البشر في مصيرهم وأفكارهم وحميميتهم، وغذت، بمنطقها الآلي/ الميكانيكي ما يرسم الحدود للبشر ويقرر مستقبلها ويصنع الرأي العام ويشكل الذهنيات والتمثلات والمعاني والقيم. فلا غرو أنها أقحمت الفرد في قيم اللاحتمية واللانهائية واللامكانية واللازمانية، فانصهر الشكل والنوع والمعنى في توهمات وفضاءات خيلائية virtuel، وذاب بالتالي الفرد في مجتمع رقمي محدد برأسين رأس شبكي ورأس الذات الفاعلة حسب (فرانك كليش). هذان الرأسان من مميزات المجتمع الما بعد صناعي أو ما يسميه (ألان تورين) المجتمع المبرمج المتميز أيضا بالعلاقات التقنية وبسيطرة السيد المدبر وبانحطاط الموروث والإنتاج الاجتماعي وحياد الدولة وعدم تدخلها في المجتمعات المبرمجة رأسماليا. وخلاصة القول، قلبت وسائل الاتصال التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي تصور الإنسان لذاته خصوصا بالمجتمعات التقليدية وبالعالم القروي حيث أغرقته في عالم المفارقات والتشييء والاغتراب. لقد غيرت مكونات هويته وطبيعه لغته ومفاهيمه كما هو ملاحظ ذلك بالعالم القروي حيث تغيرت التداولية المفاهيمية لدى الكثيرات من نساء هذا العالم: (واش تكونكتيتي أ الهاشمية؟.. راها كاتشاتي، ... واش انت خارجة على التغطية؟...). أجرى الحوار: عزيز المجدوب في سطور ـ باحث في علم الاجتماع وكاتب ومحاضر. ـ له عدة مقالات فكرية ومتخصصة ـ ناقد في مجال الأدب ـ مشارك في لقاءات ومحاضرات وطنية ودولية ـ مشارك في برامج بالإذاعة الوطنية والجهوية بالدار البيضاء وبالتلفزة المغربية . من مؤلفاته: "المغرب المعاصر ورهانات المستقبل" و"القبيلة ، القطاع والمخزن" و"الأسرة المرأة والقيم" و"المغرب من الاستبداد إلى الدولة الوطنية".

الأنتـرنت… الـوسـيـط الجـنـسي البـديـل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجنس الإلكتروني... الفخاخ!

جنس بمستودع الأموات ببني ملال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات