“فوريان” الحي الحسني… الفوضى

أصحاب العربات اعتبروا الداخل إلى المحجز البلدي مفقودا والخارج منه مولودا إذا حكم عليك القدر بأن تتعرض سيارتك للحجز وفاتتك فرصة استرجاعها بعدما يغلق المحجز أبوابه على الساعة 8 و 30 دقيقة مساء، فما عليك سوى قراءة الفاتحة عليها نظرا للمصير المجهول الذي صار يتهددها وسط "فوريان الحي الحسني" بالبيضاء. إنجاز : محمد بها - تصوير: (عبد اللطيف مفيق) لا يهتم المواطن العادي بهوية فضاء يسمى "فوريان"، وتسميه أدبيات المجالس المنتخبة "المحجز البلدي"، ليس لأن الغموض يلف طرق تدبير هذه المؤسسة الأشبه بدولاب كبير مهمل للأشياء المتلاشية، ولكن لأن دورها يتجاوز الحجز المؤقت للناقلات إلى حجز مؤبد. زائر "محجز الحي الحسني" لابد أن يصاب بالدوار من خلال الصدمة التي سيواجهها عندما يتفقد المحجوزات المبعثرة هنا وهناك، والدوار سيأتي بسبب التباس هوية المحجز التي توزعت ما بين فضاء للآليات المستعملة والمهترئة وحظيرة تتعايش فيها الحيوانات والسيارات والبشر. أحلاهما مر يواجه سائق السيارة المرتكب للمخالفة حلين لا ثالث لهما، إما أن يدفع مخالفة أو يتم نقلها مباشرة إلى المحجز. ومما لا شك فيه أن الإجراء الثاني يزيد من متاعبه النفسية والمالية، الأمر الذي يجعل صاحب المخالفة يعتبر أن سقوطه في خطأ ارتكاب المخالفة بداية مسلسل المشاكل، معتبرا أن مقولة "أحلاهما مر" تنطبق عليه لأن كلا الحلين يسببان له ضررا كبيرا. وتتعدد أسباب احتجاز السيارات والشاحنات والدراجات ومختلف العربات الأخرى، لكن في جميع الأحوال فإنه في الحالات العادية التي تحال فيها سيارات المواطنين على المحجز، يتم أداء ضريبة ثلاثية الأضلاع، بدءا من تحرير المخالفة، مرورا برسم الإقامة الذي يحدد حسب ليالي المبيت، وانتهاء بواجب شاحنة "الديباناج" التي حملت السيارة إلى "الفوريان" والتي يفوق مبلغ تأدية خدماتها أحيانا واجب المخالفة. وقال العربي صاحب سيارة صادفناه لحظة مجيئه لاسترجاع سيارته المحجوزة، إنه من الحيف أداء ثمن خدمة "الديباناج"، متسائلا "إذا كان المحجز معتقلا للسيارات فلماذا يؤدي المواطن واجب نقل سيارته قسرا إلى هذا المكان؟ سؤال لم يجد له المشتكي جوابا سوى التنهد بعبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". بداية الحكاية في محجز الحي الحسني تحتل الشاحنات المقطورة المخصصة لنقل البضائع والدراجات النارية حيزا كبيرا من الفضاء، خاصة تلك التي تخلى عنها أصحابها ما جعل عقوبتها تتحول من مؤقتة إلى المؤبد، وهو ما يعني أنها أصبحت في ملكية المحجز وأيضا عصابات السرقة التي تتسلل إلى هذا الفضاء للعبث بمحتويات ممتلكات الغير. يقول حارس بالمحجز، إن المساحة المخصصة للحجز تضيق كلما أحيلت حافلات أو شاحنات على المكان، وأغلبها يحجز لمدة طويلة بسبب تورط أصحابها في جرائم المخدرات أو التهجير السري أو غيرها من القضايا، ومع مرور الوقت يصعب عمليا إخراج الناقلة من مكانها لأن إجراءات الإفراج أصعب من تدابير الإحالة على المحجز. وتظل أغلب السيارات والحافلات التي تقيم مدة أطول في المحجز هي السيارات والحافلات التي أحيلت بموجب إجراء قضائي على هذا الفضاء. وعاينت "الصباح" تحول مجموعة من العربات التي تركن بمحجز الحي الحسني إلى متلاشيات بعد أن أصبحت تتآكل يوما بعد آخر، بفعل الطبيعة والبشر، من بينها سيارات مهترئة ظلت شاهدة على نظيراتها وأصبحت تتنافس على لقب عميدة المحجوزات. ومن خلال معاينة طاقم "الصباح" لوحظ أن عددا من السيارات ما تزال تحمل داخلها بقايا الحاجيات الخاصة بصاحبها ما يدل على أن المدة التي استغرقتها السيارة طويلة الأمد، بعدما تأخر مالكها في الحسم في استرجاعها من "الفوريان". وكشف أحد الحراس أن محجز مقاطعة الحي الحسني يحتضر ومعه أصبحت وضعية سيارات الغير في مصير عصابات السرقة كما أن مصير حراس "فوريان الحي الحسني" أصبح في كف عفريت بسبب الخطر الذي يتهددهم في كل وقت وحين.وأضاف المتحدث ذاته أن المحجز أصبح في وضعية غير سليمة، تستدعي ضرورة قيام المسؤولين بتخصيص فضاءات خاصة للإقامة العابرة والأخرى طويلة الأمد. محجوزات في خبر كان يعج فضاء محجز الحي الحسني بالسيارات المستعملة في النقل السري، لكن أكثر نزلاء هذا المرفق الفوضوي هي الدراجات النارية ثلاثية العجلات "تريبورتور" والسيارات الخفيفة خصوصا تلك التي حولها أصحابها إلى وسائل لنقل الأشخاص بإجراء تعديلات عليها على مستوى الشكل، بل منها ما هو مجهز بحصير بلاستيكي ومذياع حفاظا على راحة المسافرين غير المؤمنين، خاصة وأن سعر النقل السري أرخص بكثير من الأسعار المتداولة لدى أصحاب النقل الحضري من حافلات مهترئة وسيارات أجرة أصبح الركاب ينفرون من تسلط أصحابها. سوق الأكسسوارات بسبب كثرة العربات المحجوزة ونظرا للعبء الذي صارت تشكله، لا يهتم المشرفون على أغلب محاجز العاصمة الاقتصادية بالتفاصيل الدقيقة لممتلكات الغير، إذ لا يقومون بتدوين معطيات الحجز في محاضر بأدق التفاصيل الممكنة، بدءا من أسباب النزول وانتهاء بالحالة الميكانيكية للعربة المحتجزة، وهو ما يشكل فرصة لا تعوض بالنسبة إلى المتاجرين بقطع الغيار. واشتكى رضوان أحد الجيران المتعايشين مع فوضى "محجز الحي الحسني" التسيب والعمل غير الممنهج من قبل المشرفين على المحجز، مشيرا إلى أنه لا يلقي باللوم على حراس "الفوريان" لأنهم مجرد موظفين لا حول لهم ولا قوة، وإنما يحمل كامل المسؤولة للقائمين على تسيير الشأن العام بمقاطعة الحي الحسني وكذا مجلس مدينة البيضاء، حينما تقاعسوا في اقتراح أفكار تطوير العمل بالمحاجز البلدية لضمان سلامة ممتلكات الغير من العبث وعصابات السرقة. وأشار المتحدث ذاته في حديث مع "الصباح" إلى أن هناك عددا كبيرا من المواطنين الذين يشتكون من بتر "أكسوسوارات" سياراتهم بمجرد دخولها إلى هذا المكان غير الآمن، مضيفا "الحقيقة الصادمة هي أنه أمام تسيب هذا القطاع المهم، صار بإمكان أي شخص اقتناء قطع غيار بأقل تكلفة من المحاجز والقائمين عليها". عصابات السرقة يظل أكبر مشكل بمحجز الحي الحسني غياب أبسط شروط حماية ممتلكات المواطنين من سور وإضاءة، رغم أن الفضاء يوجد بمكان معزول على جنبات طريق أزمور ومنطقة سيدي الخدير وبجانبه أحياء صفيحية. ويستغل بعض أفراد عصابات السرقة سواء من جيران المحجز أو القادمين من أحياء مختلفة الوضع القائم في "فوريان الحي الحسني" للسطو على محتويات السيارات التي تقبع في الخلف والمحاذية للسور القصديري الفاصل بين المحجز والدور السكنية. ومن بين العوامل التي تزيد من تشجيع اللصوص على السرقة، الوضعيات التي يتم فيها ركن سيارات البيضاويين، إذ أن السيارات التي تم وضعها ب"الفوريان" كانت في آخر صف محاذ للسور المطل على الأحياء القصديرية والدور السكنية، وهو ما يسهل على اللصوص سرقة محتوياتها دون خوف لأنها بعيدة عن أعين المراقبة. وليس هذا فحسب فقد أدى امتلاء المحجز عن آخره بالسيارات والمتلاشيات إلى اضطرار القائمين على حراسة "الفوريان" إلى ركن سيارات خارجه بالشارع المجاور لهذا الفضاء غير المهيكل. وأمام الظروف المزرية التي يتخبط فيها محجز الحي الحسني، أصبح سهلا على عصابات السرقة التي تتوزع ما بين المنحرفين والميكانيكيين المحترفين، تفكيك السيارات المحجوزة وسرقة كل ما خف وزنه وغلا ثمنه دون حسيب ولا رقيب، ما دامت كاميرا المراقبة غير مثبتة بالمحجز. وحسب ما عاينته "الصباح" فإنه لا يمكن إلقاء اللوم على حراس المحجز في غياب ظروف العمل التي تضمن سلامتهم الشخصية وممتلكات الغير، إذ كيف يجرؤ شخص لا يملك سوى عصا غليظة ومصباح ينير به ظلمة الليل الحالكة على مواجهة عصابة مدججة بالأسلحة البيضاء. ويرى المسؤولون عن حراسة "فوريان الحي الحسني" أن بيع المحجوزات في إطار فتح طلبات العروض بطريقة شفافة، سيكون حلا ناجعا لمشكل الاكتظاظ المشجع على سرقة ممتلكات الغير. نداء استغاثة وجه حراس "فوريان الحي الحسني" وكذا المواطنون الذين التقتهم "الصباح" نداء استغاثة من أجل وضع حد للفوضى التي يعيشها أكبر محجز في المغرب، مطالبين بإقامة فضاء آخر لإقامة محجز أصبح نقطة سوداء بالبيضاء، ومرتعا للمنحرفين الذين يلجؤون إليه حين تغلق في وجوههم كل المرافئ. وأضاف الحراس المكلفون بالمحجز "لقد تحول هذا الفضاء إلى نقطة سوداء حقيقية، في ظل مجموعة من المعطيات أهمها غياب الإنارة والعزلة وغياب شروط العمل وعدم وجود سور عال، "وطالما قلنا مرارا إن المقاطعة لا تجني من ورائه سوى الخسائر البيئية والمادية، لهذا نحن مع إعادة هيكلة "الفوريان" بشكل يضمن حقوق كل الأطراف، وإذا استعصى هذا المطلب فإنه من المفروض ترحيله".

“فوريان” الحي الحسني… الفوضى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجامعة تصرف منح الأندية

الوردي "يحتجز" 200 متقاعد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات