فرقة إيطالية أذهلت الجمهور باستعراض وحشي والحديقة احتضنت حفلا من "ليالي فاس العتيقة" أرعب أشباح انبعثوا بحديقة جنان السبيل بفاس، زوارها والمواقع التاريخية والسياحية القريبة منها، بعضهم أطلق ساقيه للريح خوفا وآخرون انسجموا مع بهلوانيتهم مؤرخين للحظة بصور فوتوغرافية و"سيلفيات" أذابت شراسة كائنات ذهل الجميع لجولانها وسط دروب المدينة العتيقة وفي ساحة أبي الجنود وبابها التاريخي. حميد الأبيض (فاس) - تصوير: أحمد العلوي المراني 13 شبحا بقرون أبقار وجواميس وحيوانات بأحجام مختلفة، أرعبوا زوارا في خلوتهم بين أسوار المواقع التاريخية، لشكلهم غير المألوف وطبيعة لباسهم الفريد من الجلود السوداء والسماوية والحمراء الفاتحة، وشعرهم المسدل وعظام الحيوانات المؤثثة بها ظهورهم، وأصواتهم المرعبة لكل مصادف لسيرها المثير على مسافة مهمة. استعراض عالمي لم يكن هؤلاء الأشباح مثيرو المنظر والحركة والتفاعل مع كل من صادفوهم في طريقهم الاستعراضي، إلا عناصر فرقة إيطالية أحيت طقسا قديما للأشباح من قرية سورغونو بسردينيا، في احتفال فريد نظم مساء الاثنين الماضي لمناسبة الدورة 23 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، ضمن فقرات "مهرجان داخل المدينة". في السادسة من مساء الاثنين الماضي سمع صوت مدو بمدخل حديقة جنان السبيل، ما جلب فضول الجميع ممن ذهلوا لمناظر "مخلوقات" دخيلة على المكان، ترتدي أقنعة ترمز إلى المعتقدات القديمة لإيطاليا، لينطلق الاستعراض الوحشي والفرجة الشبحية الفريدان، إحياء لطقس "أريستيس إي سورتزو بريتيستو" الإيطالي بامتياز. نفخ كبيرهم بلباسه الأسود المميز وعصاه الغليظة، على "قرن" جاموس، أذن لباقي الفرقة بانطلاق الاستعراض، على إيقاع القفز والهرولة والأصوات المرعبة قبل انتشارهم وسط الطريق بشكل فوجئ له الجميع، إلى درجة توقف العربات لاستقصاء حقيقة ما يقع، سيما أمام ركضهم المثير في اتجاه السور الخارجي لمقبرة قريبة. بدوا كما لو خرجوا لتوهم من قبور المقبرة، بحركاتهم البهلوانية وسيرهم وسط الطريق العمومية بشكل عرقل حركة السير بها، قبل دخولهم ساحة بوجلود من باب فرع جانبي، بشكل فاجأ مئات الأشخاص الذين ارتكنوا بجانب السور في انتظار انطلاق الحفل الفني المجاني الساهر بالساحة، إذ كانت الاستعدادات له جارية. ذهلت فتاة وصرخت قبل فرارها وتعقبها من قبل شبح، ليتحول المشهد المرعب إلى لحظة مرح على إيقاع قفز باقي الأشباح وسط الساحة وعدوهم. لكن المشهد سرعان ما تكرر مع تلميذات خرجن لتوهن من الثانوية التأهيلية مولاي إدريس بعد انتهاء الحصة الدراسية، ليصدمن بأشباح أرعبوهن بمظهرهم المثير والغريب. إستراتيجية الخوف هذا الخوف لم يدم طويلا بعد اكتشاف الجميع حقيقة الأمر، إذ تحول إلى فرصة مواتية لالتقاط صور مؤرخة لجولة قد لا تتكرر، مع أشباح وكائنات غريبة، سيما بالباب الرئيسي لبوجلود، لما أحاط شباب بأفراد الفرقة لأخذ سيلفيات يؤثثون بها حساباتهم الفيسبوكية، بشكل عطل انتشارهم بين دروب المدينة العتيقة. عبر الطالعة الصغيرة وفي اتجاه البطحاء وفي طريق عودتهم لحديقة جنان السبيل، تسابق الشباب لأخذ صور مع الفرقة التابعة للجمعية الثقافية مانديرا أوليساي التي أبدعت هذا الاحتفال الذي تحول إلى مشاهد ممسرحة ملخصة لأوجه الحياة والموت والانبعاث، في شخص شبح مربوط بسلسلة حديدية رمزا للشر الملازم للبشرية. تنجح تلك الكائنات في إسقاط هذا الشبح قوي البنية أرضا ورفسه وإسالة دمه ومحاصرته لكنه سرعان ما ينهض ليواصل الفتك بمحاربيه، في مشهد أقرب للقطة صرع للجن شخصها عضوان من مجموعة العميري الكويتية، قبل دقائق من ذلك في حفلها بالحديقة نفسها، على إيقاع "تحيار" أحدهما وحركات بهلوانية للثاني. اللقطة شخصت قبل دقائق من ختم الفرقة حفلها في الهواء الطلق، بإيقاعات سريعة وغير مألوفة في باقي وصلاتها المقدمة، بعدما التف أعضاؤها حول صاحبي طبلين في حلقة دائرية تقابلت فيها مجموعتان راقصتان من 5 أفراد في كل مجموعة، بجانب ضابطي الإيقاع الخمسة على الدفوف، على إيقاع حركات الإقبال والتراجع والقفز. تنظيم محكم تراتبية وتموقع أعضاء الفرقة، اختلفا من وصلة لأخرى غالبيتها أديت جلوسا وبالآلات نفسها سيما الطبل على إيقاع حركات اليدين وضرباتهم المحدثة لصوت أشبه بذاك للقالق، مرفوقا بضربات على آلة حديدية تحدث صوتا مميزا تماشى مع أصوات طيور الفضاء وخرير مياهه وتحليق حمام البرج المقابل للمنصة الرئيسية. ريبرتوار شعري خاص استلهمته الفرقة من صائدي اللؤلؤ في بلدان الخليج، ثقافة معربة ذات أصل إفريقي وهندي إيراني، في حفل موسيقي مذهل وسفر روحاني طويل تجاوب معه جمهور الحديقة، كان بطله الشاعر الكويتي سلمان العماري العازف على آلة العود والمختص في فن البحر، الذي أدى نسبة مهمة من وصلات السهرة. الفضــاء نفسه كان على موعد بــدء من الثــامنة ليلا مــع واحدة من سهرات أولى الليالي المبرمجة في إطار "ليل المدينة العتيقة"، استحضر فيه عازف القيثارة الصوتي إيريك بيب، الدلتا بلوز في الميسيسيبي كما أشاعه عازفو البلوز الزنوج، راسما خطا متوازيا بين ترحيل العبيد والمنفيين الجدد في القرن الواحد والعشرين.