اقتصادنا يعاني ضعفا في التنافسية

محمد برادة وزير المالية الأسبق أوضح أن الحكومة تفضل المقاربات القطاعية دون إدماجها في إطار شمولي اعتبر محمد برادة، الأستاذ بجامعة الحسن الثاني ووزير مالية أسبق، في حوار خص به "الصباح"، أنه يتعين التوفر على رؤية شاملة للمنظومة الاقتصادية والاجتماعية من أجل معرفة روافد النمو. وأضاف أن الحكومة تفضل دائما المقاربات القطاعية دون إدماجها بما يتطلب الأمر في إطار سياسة تنموية شاملة، ودون تحليل الروابط بين مختلف الأطراف قبل تنفيذ سياسة النمو. وأوضح أن الاستثمار يتعين أن يساهم في رفع وتيرة النمو، مشيرا إلى أن المشكل المطروح أن بعض الاستثمارات تساهم في النمو أكثر من أخرى. وأشار في هذا الصدد، إلى أن الإشكال الأساسي ليس البحث عن النمو من الناحية الكمية، بل الجانب النوعي هو الأهم، إذ أن المهم في النمو، من الناحية النوعية، أن يكون منتظما ويتوفر على قدرة على الإدماج ويضمن توزيعا عادلا. أجرى الحوار : عبد الواحد كنفاوي < أثنى صندوق النقد الدولي في تقرير زيارته الاستشارية الأخيرة إلى المغرب، على الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة، خاصة في مجال استعادة التوازنات الماكرو – اقتصادية، التي أصبحت تمثل أولوية الأولويات للمسؤولين الحكوميين، كيف تقيمون السياسة المعتمدة؟ < لقد أصبح التحكم في توازنات الحسابات العمومية هاجسا وأولوية، ليس لدى الحكومة الحالية، بل عند كل الحكومات المتعاقبة منذ سنوات الثمانينات. وتحول الأمر إلى عنصر أساسي في ثقافتنا التدبيرية، وإنه لأمر جيد. لقد كانت لاختلالات الموازنات، خلال السبعينات، كلفة كبيرة بالنسبة إلى البلد، والكل يتذكر ذلك. وفي هذا الإطار أثمن إصلاح رفع الدعم عن الفيول والمحروقات، الذي كان يتعين اتخاذه مند مدة. وأتمنى ألا تتراجع الحكومة عن قرارها إذا عرفت أسعار النفط ارتفاعا في الأسواق الدولية من جديد. لكن هناك إصلاحات أخرى، مثل إصلاح أنظمة التقاعد، ما تزال متعثرة ولا نأخذ بعين الاعتبار في ذلك مستقبل الأجيال القادمة. < لكن عجز الميزان التجاري، أيضا، ما يزال في مستويات مقلقة، ألا ترون أن طريقة تمويله تثير مشاكل لقطاعات أخرى في الولوج إلى التمويلات؟ < في الواقع، عرف العجز التجاري تراجعا، خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك، في جزء منه، إلى تخفيض تكاليف المقاصة والهبات التي تم تحصيلها. بالموازاة مع ذلك، تستفيد الخزينة، أيضا، من الانخفاض الملحوظ في معدلات الفائدة إثر مستوى التضخم المنخفض، الذي يظل يتراوح ما بين 1 % و2، ما يمكن الخزينة من تمويل عجزها باللجوء المكثف للسوق المالي. ولا يطرح ذلك، في الوقت الراهن، مشكل استنزاف السيولة (effet d’eviction) وانعكاس ذلك على تمويل المقاولات. ويمكن تحمل عجز في حدود 4 % في ظل المناخ الحالي. وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن المشكل لا يكمن في مستوى العجز، بل في أسبابه، أي في بنية النفقات العمومية، وفي الفرق بين نفقات التسيير والاستثمار. وفي هذا الجانب تتجلى السياسة الاقتصادية والمالية للحكومة وانعكاساتها على النمو. < هل تعتقدون، في هذا السياق، أن المستوى الحالي للنمو مرتبط بالسياسة التقشفية التي تنهجها الحكومة؟ < لم تكن التجاوزات واختلالات الموازنات، في وقت من الأوقات، مصدرا للنمو، بل إن الاستقرار الماكرو اقتصادي يعد ضروريا من أجل إرساء أسس نمو دائم ومستقر. كل الأمور مرتبطة على مستوى المكونات المتمثلة في مستوى التضخم، ومعدلات الفائدة، والعجز الداخلي والخارجي، والميزان التجاري، واحتياطي النقد الأجنبي. لكن توازن كل هذه المكونات لا يتوقف على السياسة المالية العمومية فقط. ولكن يتعلق، أيضا، بالطريقة التي يتم بها الإشراف وتدبير العلاقات بين مختلف الفاعلين والقطاعات الاقتصادية. يتعين التوفر على رؤية شاملة للمنظومة الاقتصادية والاجتماعية من أجل معرفة روافد النمو. فكيف يمكن تحديد سياسة تنموية دون الأخذ بعين الاعتبار، على سبيل المثال، السياسة التعليمية؟ وفي هذا الباب أعتقد أن الحكومة تفضل دائما المقاربات القطاعية دون إدماجها بما يتطلب الأمر في إطار سياسة تنموية شاملة، ودون تحليل الروابط بين مختلف الأطراف قبل تنفيذ سياسة النمو. < كيف، إذن، العمل من أجل إعطاء النمو السرعة المطلوبة لامتصاص البطالة التي تعرف رقعتها اتساعا متواصلا؟ < يجب التعامل بنسبية مع هذا المعطى، إذ أنه منذ تولي جلالة الملك محمد السادس أمور البلاد، ومنذ 2000، عرف المغرب معدل نمو مرتفع في حدود 5.5 %، وذلك إلى غاية 2008، مع أزمة الرهون العقارية. وكان الطلب الداخلي، خاصة الاستثمار العمومي واستهلاك الأسر، المحرك الأساسي لهذا النمو. ويعد المغرب، حاليا، ورشا مفتوحا، من خلال أشغال البنيات التحتية: الطرق والطرق السيارة، والموانئ، والسكن الاجتماعي، والمخططات القطاعية، وسيتواصل ذلك. وينتظر، خلال السنة الجارية، تخصيص 65 مليار درهم من الاستثمارات على مستوى ميزانية الدولة و 150 مليار درهم من استثمارات المؤسسات العمومية. بطبيعة الحال، يتعين أن يساهم الاستثمار في رفع وتيرة النمو، ولكن المشكل المطروح أن بعض الاستثمارات تساهم في النمو أكثر من أخرى. فرغم أن معدل الاستثمار يمثل 30 % من الناتج الداخلي الإجمالي، الذي يعتبر من أعلى المعدلات في العالم، فإن مستوى النمو يظل ضعيفا. ويرجع هذا الوضع إلى أن استثماراتنا تتشكل أساسا من الاستثمار العمومي في البنيات التحتية، الذي تظل لها أهمية بالنسبة إلى النمو المستقبلي لمقاولاتنا. لكن، بالنسبة إلى بلد مثل المغرب، حيث معدل البطالة يصل إلى 10 % على المستوى الوطني، في حين يقارب 20 % في العالم الحضري، فإننا بحاجة إلى علاقة أكثر متانة بين الاستثمار والنمو. ضعف الاستثمارات المنتجة < لكن بأي استثمارات يتعلق الأمر؟ ربما تقصدون، من خلال ما سبق، أن الاستثمارات المنتجة الموفرة لمناصب الشغل القارة ولمداخيل دائمة، غير كافية. فكيف السبيل إلى تدعيمها؟ < بكل تأكيد إنها تظل ضعيفة، ونلاحظ ذلك، أيضا، من خلال تطور حجم القروض. فإذا نظرت إلى بنية ميزاننا التجاري، ستلاحظ أنه رغم أن صادراتنا من السيارات ومنتوجات الفوسفاط تتسم بالصلابة والقوة، فإن عجز الميزان التجاري يعرف تفاقما متواصلا، ما يعني أن اقتصادنا يعاني مشكلا حقيقيا على مستوى التنافسية، إذ لا تتمكن منتوجاتنا من مواجهة المنافسة الدولية سواء على مستوى السوق الداخلي أو بالأسواق الخارجية. لذا، يتعين، بداية البحث عن السبل الكفيلة بتحسين تنافسيتنا. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا في إطار مقاربة شمولية، بمعنى أن يتم استيعاب هاجس التنافسية من قبل كل مكونات الاقتصاد الوطني. ويتعين، بعد ذلك، استهداف القطاعات الواعدة المنتجة للنمو والمساهمة فيه بشكل قوي، علما أن النمو ينتج عن تغير الناتج الداخلي الإجمالي الذي يمثل مجموع القيم المضافة لمختلف القطاعات. فكيف نعمل على خلق القيمة المضافة؟ وكيف نسهر على أن تنتج هذه القيمة المضافة بشكل منتظم؟ لأن الإشكال الأساسي، في نهاية الأمر، ليس البحث عن النمو من الناحية الكمية، بل الجانب النوعي هو الأهم، إذ أن المهم في النمو، من الناحية النوعية، أن يكون منتظما ويتوفر على قدرة على الإدماج وتوزيع عادل. النسيج الصناعي إلى اندثار < أشرتم إلى أنه يتعين أن يكون النمو منتظما وقادرا على إدماج مكوناته ويضمن التوزيع العادل، أليس الأمر كذلك بالمغرب؟ < بالفعل ليس الوضع كذلك، إذ سجلنا خلال 2015، معدل نمو وصل إلى 4.8 %، في حين لم نتجاوز 1.5 %، خلال السنة الماضية، وننتظر خلال السنة الحالية، أن نحقق معدل نمو في حدود 4.5 %، وهكذا يتضح أن وتيرة النمو تعرف تذبذبا، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار في الأداء الاقتصادي. ويرجع الأمر إلى أننا نتوقف كثيرا على الفلاحة، ولكن، أيضا، بسبب عوامل خارجية، مثل الوضعية الاقتصادية لدى شركائنا. لكي نحقق استقرارا في وتيرة النمو، يتعين تنويع الاقتصاد، بما في ذلك القطاع الفلاحي، وهذا ما يحصل حاليا. لكن نلاحظ، أيضا، أن التطور يحدث بشكل مباشر وسريع من القطاع الأولي (الفلاحي) إلى القطاع الثالث (الخدمات)، الذي يتطور بوتيرة أسرع من القطاع الصناعي، في حين أن هذا الأخير هو القطاع الذي يوفر، حقيقة، مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة. لذا يتعين التوفق في خلق روابط ما بين القطاعات، وتوفير شروط نمو يضمن الإدماج، والتمكن من تقييم انعكاسات أي استثمار في قطاع معين على القطاعات الأخرى. وهذا ما نفتقده في وضعنا الحالي، إذ أن الإفراط في الانفتاح التجاري، جعل أن كل سياسة تتخذ من أجل الانتعاش الاقتصادي أو القطاعي تتحول إلى تدفقات تجارية ومالية لفائدة الخارج بفعل ارتفاع الواردات، ما يجعل المقاولات الأجنبية هي التي تستفيد، في نهاية المطاف، من هذا الانفتاح بدل أن يصب في مصلحة المقاولات الوطنية. وفي ظل هذا الوضع يعرف نسيجنا الصناعي تدهورا، ويجب أن نعترف أن هناك جزءا هاما من قطاعنا الصناعي الموفر لمناصب الشغل في طريقه إلى الاندثار، مثل صناعات النسيج والجلد، والصلب، والميكانيك، والبلاستيك. فقد تحول الصناعي إلى تاجر يستورد من تركيا والصين ما كان ينتجه في السابق وبمشاكل أقل. أسعار النفط تتراجع و تعريفة الكهرباء تتضاعف < كيف يمكن تدعيم تنافسية هذا القطاع الصناعي الإستراتيجي؟ < يتعين اعتماد مخطط لدعم صناعاتنا، التي تمثل خزانا لمناصب الشغل، وذلك باتخاذ إجراءات حمائية عاجلة لمواجهة ممارسات الإغراق غير الواضحة المعتمدة في عدد من البلدان المصدرة إلى المغرب، إذ أن هناك عددا من البلدان التي تدعم صناعاتها بأشكال مختلفة، ما يجعل أسعار منتوجات هذه الصناعات أكثر تنافسية من المنتوجات المحلية، التي لم تعد قادرة على مسايرة منافسة واردات هذه البلدان، ما يفرض اتخاذ الإجراءات الحمائية التي يكفلها القانون لحماية الصناعة الوطنية، وذلك للحفاظ على مناصب الشغل التي توفرها صناعاتنا المحلية. كما يتعين تخصيص دعم مالي من أجل مواكبة الوحدات الصناعية في عصرنة التجهيزات وآليات الإنتاج التي أصبحت متجاوزة. بالموازاة مع ذلك، فإن الحكومة مطالبة بالعمل على تخفيض أسعار الطاقة، فالصناعيون يتساءلون كيف أن أسعار النفط في الأسواق الدولية تعرف تراجعا، في حين أن تعريفة الكهرباء تسجل ارتفاعا في كل سنة. كما يتعين مواكبة ومساعدة المقاولات التي تعرف صعوبات على مباشرة إعادة الهيكلة لتحسين تنافسيتها وتحقيق نقلة نوعية لنشاطها. بمعنى آخر تفكيك هيكلتها الحالية لإنشاء هيكلة جديدة أكثر فاعلية وإبداعا بمفهوم الاقتصادي العالمي جوزيف شومبتير في نظريته "الدورة الاقتصادية والتنمية"، والتي يضع فيها مفهوم "المقاول الاقتصادي"، الذي يمثل العامل الرئيسي في معادلته، إذ من خلال ابتكاراته يتمكن من خلق الديناميكية المطلوبة لتحقيق التنمية. لذا، فإنه يتعين التحفيز على بروز مثل هذه العينة من المقاولين. وفي ظل هذه الديناميكية وتحسن التنافسية، يمكن أن يندرج إصلاح نظام الصرف نحو تعويم الدرهم، إذ يمكن أن يساهم ذلك، مع توفر بعض الشروط، في رفع وتيرة الإنتاج الوطني. هناك، أيضا، المهن الدولية الجديدة للمغرب، إذ يظهر جليا أن المغرب، بتحفيز وإشراف من قبل جلالة الملك، بصدد التفوق في مساره الصناعي الجديد في قطاع صناعات السيارات والطيران، ويمثل النجاح في هذا التوجه تحديا كبيرا. لكن أي دفعة صناعية لا يمكن تقييمها إلا من خلال القيمة المضافة المحدثة. وبالاعتماد على هذا المعيار، يمكن القول إن القيمة المضافة لقطاعنا الصناعي ما تزال متواضعة إذ تظل في حدود 30 %. ومن أجل تحقيق تحدي رفع هذا المستوى، يتعين تدعيم مسلسل الاندماج داخل قطاع صناعة السيارات، من خلال التشجيع على إنشاء مقاولات جديدة لصناعة أجزاء السيارات، ما سيساهم أكثر في تحسين تنافسية القطاع. وأخيرا، يجب التذكير أن هناك سوقا كبيرة معتادة على أبوابنا ويتعلق الأمر بالسوق الأوربية، بالموازاة مع ذلك نلاحظ بروز سوق أخرى تعرف توسعا وتمثل فرصا كبيرة بالنسبة إلى صناعتنا، إنها السوق الإفريقية. هناك أبواب تفتح في وجه مقاولاتنا، التي يتعين أن تتهيأ وتدعم تنافسيتها وإبداعاتها. في سطور - من مواليد 3 نونبر 1944 - حاصل على دكتوراه في العلوم الاقتصادية والعديد من الدبلومات من "بوردو مانجمنت سكول" و"سيانس بو بوردو". - أستاذ الاقتصاد منذ 1969 بكليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط والبيضاء - وزير الاقتصاد والمالية ما بين 1986 و1993 . - شغل منصب سفير المغرب بفرنسا ما بين 1993 و1999 ومفوض المغرب باليونسكو. - رئيس المجمع الشريف للفوسفاط ما بين 1999 و2001. الرئيس المدير العام للخطوط الملكية المغربية من 2001 إلى 2006 - رئيس مركز الأبحاث "روابط" (Links). - عضو المجلس الأعلى للتعليم ولجنة التوجيه للمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية.

اقتصادنا يعاني ضعفا في التنافسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سكانير

ميمون: الفن "ماشي سروال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات