يوميات “كسال”

يعمل 16 ساعة ولم يجن من الحرفة سوى مرض الأعصاب يحتفظ المغاربة في ذاكرتهم بصورة "الكسال" ذي الشخصية القوية العضلات الذي يعرض خدماته لإزالة أوساخ المستحمين وتنظيف أجساد الأطفال والشيوخ والمرضى، وختمها بعملية تدليك يطلق عليها الزبناء عبارة "التكسال" للتخلص من عياء أسبوع بكامله، وهي الخدمات التي تقدم مقابل أجور زهيدة. ولتسليط الضوء على ظروف عمل "الكسال"، كانت لطاقم "الصباح" جولة داخل حمام بالبيضاء، من أجل سبر أغوار هذه المهنة الضاربة في عمق التاريخ الشعبي للمغاربة. لم يكن قبول "الكسال" سرد حكايته مع مهنة يحتقرها المجتمع سهلا، إلا أنه أمام الإلحاح على المقابلة وتقديم ضمانات بعدم تصويره ولا التعريف باسمه الحقيقي، استجاب بعد وساطة شاب كان من بين معارفه، الأهم في ذلك أنه قرر فتح قلبه للمجتمع المغربي حتى يتعرف على الوجه الحقيقي لمهنة "الكسال". 16 ساعة من التعب يوميا "ملي كنفيق في الصباح وانا فالماء حتى الليل" عبارة تلخص البرنامج اليومي الذي يطبقه حسن (اسم مستعار) والظروف المزرية التي يعمل فيها لمدة 16 ساعة وما يقاسيه من تعب جسدي ونفسي أثناء وبعد خدمة إرضاء الزبائن الذين لا يقدرون مهنته. ويبتدئ عمل حسن من السابعة صباحا، إذ ما إن يحل بالحمام حتى يجلس بجانب المكلف بحراسة ملابس وحاجيات الزبناء أو ما يطلق عليه باللغة العامية "الجلسة" وهو الفضاء الذي يعرف دخول وخروج الزبائن، الأمر الذي يسهل عملية تواصله مع الراغبين في الاستفادة من خدمة "التكسال". وكشف المتحدث ذاته أنه في انتظار الزبناء يقوم بأعمال أخرى من بينها تنظيف أروقة الحمام أو المساعدة في إدخال الحطب على المكلف بعملية وضعه في الفرن. ومباشرة بعد عملية المناداة عليه من قبل أحد الزبائن، يهب حسن مسرعا إلى صاحب الصوت، متسلحا بالصبر على تحمل العمل وسط "بيت السخون" والمياه المتدفقة والروائح الكريهة التي تنتشر بسبب أوساخ وعرق المستحمين والمستحمات. منافسة "الصونا" والحمامات التركية أضاف المتحدث نفسه، أن الحرفة لم تعد تدر عليه أموالا تغطي مصاريف أسرته الصغيرة، ولم تعد مأمونة الجانب بعد موجة "الصونا" والحمامات التركية" والطلبات الغريبة لبعض الزبائن. يقول حسن متحدثا عن نفسه وزملائه "الكسال هو الإنسان الوحيد الذي يقضي يومه وما تيسر من ليله وسط المياه، فأغلب أوقاته يجد نفسه مقتادا وراء "طرف ديال الخبز" وسط برك المياه الساخنة التي تنفر منها الجلود، فهو الرجل الذي يحرم نفسه من النور والهواء النقي ليغسل أبدان الناس دون كلل ولا ملل، لكن هل من معترف به؟". المقابل... "باش ما سخاك الله" رغم خدماته التي يصعب على الشخص العادي القيام بها، إلا أن الكسال لا يشترط على زبنائه ثمنا محددا، بل يكتفي بعبارة "باش ما سخاك الله" وهي العبارة التي لا يمكن قبولها في حمام النساء لأن الكسالات أو ما يطلق عليهن "الطيابات" لا يمكن أن ينظرن إلى الزبونة إذا لم تتكرم عليهن ب50 درهم وما فوق. وكشف حسن أن المبالغ التي يتكرم عليه بها زبائنه تتوزع ما بين 15 درهما و30، ويمكن أن تتجاوز ذلك لمناسبات الأعياد الدينية أو خلال نهاية الأسبوع التي تعرف إقبالا كبيرا، وهو ما يجعل مدخوله هزيلا خصوصا أنه ليس المستخدم الوحيد بالحمام، إذ يشاركه شخصان آخران في مهمة "تكسال" المستحمين الراغبين في حصة تنظيف وتدليك. معاناة نفسية مع الزبون من الصعوبات التي يواجهها "الكسال" أنه يظل رهين مكانه في "بيت السخون" داخل الحمام للاستجابة بشكل متوال لطلبات المستحمين الذين يتهافتون عليه، وهو ما يجعله يضحي براحته من أجل إرضاء جميع الأطراف. وكشف حسن أن بعض الزبناء يبدؤون في لومه بشأن أمور غير مفهومة من قبيل تأخره عن تلبيه طلبهم أو عدم وضع الصابون لهم أو لماذا فضل فلانا على علان وهل يتعلق بالسخاء الذي يتكرم به عليه، في حين هناك من ينتقد طريقة تنظيفه، وهو ما يجعل الكسال يتعرض لضغوطات تزيد من معاناته نفسيا. ومـــن بين المشــاكل التــي يواجهها الكسال بشكـــل يومــي مغــامرتــه فــي التعــامل مع الحالات الصعبة من قبيل ذوي الاحتياجات الخــاصة أو المرضى النفسيين الــذين لا يلتزمون بتعليمـــاته أثنـاء تنظيفهم وخوفــه من أثارتهم المشاكل وسط الحمام. 27 سنة بدون أرباح تأسف حسن للحصيلة التي جناها من مهنة "كسال"، مشيرا إلى أن مدة 27 سنة التي قضاها في الميدان، لم يجن منها أي أرباح مالية سوى مرض الأعصاب وإهمال أسرته الصغيرة، نظرا لأنه لا يرى أطفاله إلا مرة واحدة في الأسبوع، أما ما عدا ذلك فإنه يجدهم يغطون في نوم عميق نظرا لوقت عمله الممتد من السابعة صباحا إلى غاية العاشرة والنصف ليلا. واعتبر أن مسؤوليته الأسرية تقتضي منه الصبر وانتظار عطف الزبائن للتكرم عليه بمبلغ محترم، مشيرا إلى أن الكسال يمكن أن يربح في اليوم 100 درهم لكنه غير كاف بالنسبة إلى رب الأسرة التي تتزايد طلباتها يوما بعد آخر. وكشف حسن أن قوته اليومي ينحصر في ما يجود به الزبائن، لأنه ليس أجيرا لدى صاحب الحمام وبالتالي فليس له مورد آخر، وهو ما يجعل وضعية الكسال تظل معلقة في انتظار رغبة المستحمين في الاستعانة بخدماته. صاحب الحمام... "الحكرة" وأشار الكسال إلى أن صاحب الحمام يفرض عليه غسل وتنظيف الحمام بكامله والمساعدة في حمل الحطب المخصص، مقابل السماح له بمواصلة العمل كسالا في محله، وهو ما يجعله يستجيب لشروطه حتى لا يكون مصيره الطرد. ورغم المعاناة التي يعانيها حسن في قطاع "تكسالت" إلا انه مازال يزاول عمله بإخلاص مشيرا إلى أنه بعد 27 سنة من العمل لا يمكن له تغيير التخصص لأنه ليس هناك بديل آخر، متأسفا ل"الحكرة" التي يعانيها المنتمون للمهنة من قبل المجتمع والمسوؤلين الذين لم يفكروا في منحهم حق الاستفادة من التغطية الصحية، باعتبارهم مهددين بالموت في أي لحظة. محمد بها

يوميات “كسال”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحمام ملهم للشعراء

استيعاب معنى الحب يحمي الزواج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات