مجتمع الخرافة ينتج مشعوذا لكل ألف مواطن

رجال الدولة والسياسة يقصدون بيوت الدجالين لقراءة الطالع تخلص العديد من الدراسات السوسيولوجية، إلى أن تنامي التعاطي للشعوذة في المغرب راجع أساسا إلى المشاكل الاجتماعية كالأمية والبطالة والإحساس بالتهميش والإقصاء الاجتماعيين. كما لاتهم الشعوذة فئة إجتماعية دون أخرى ولا تقتصر على جنس دون آخر. وللعوامل النفسية دور بارز في امتثال الفرد إلى المشعوذ والحرص على تلبية رغباته مهما كانت، بسبب الشعور بالاضطراب والخوف والفشل الذي يلغي شخصية الإنسان ويجعله مقتادا إلى عالم الخرافة والدجل، وهو ما يجعل من «جرائم الشعوذة»، من نصب واحتيال واستغلال جنسي للنساء، مجالا خصبا لأحاديث الشارع والقضايا المعروضة على أنظار المحاكم. وتعد هذه الظاهرة، المتكررة في الزمن، والتي تجد جذورها بالمغرب في التاريخ الغابر الممتد إلى زمن الفنيقيين والرومان، مرورا بالسلالات التي حكمت المغرب، أحد الأسباب التي تجعل المجتمع المغربي بكافة تلاوينه الاجتماعية، يلغي العقل والعلم في الكثير من الأحيان ويفضل علهما أعمال «الشعوذة» وكل ما يرتبط بها بها كالسحر والعرافة، واستعمال الأدوات المساعدة كالتمائم وأنواع البخور، وزيارة الأضرحة وغيرها من الطقوس...وتجمع كل الدراسات التاريخية والسوسيولوجية على اعتبار الإحساس بالخوف من الخطر المحدق بالفرد والمجتمع معا، عاملا أساسيا في بحث الإنسان عن عالم الخوارق للخروج من"الضيق" الذي يعانيه والإحساس ب"الإخفاق" الذي يلاحقه. ويغذي هذه الأحاسيس»المفزعة» الجهل والفقر اللذان يعدان مؤشرين لتعاطي فئات إجتماعية واسعة للشعوذة إنتاجا واستهلاكا، لكنهما غير حاسمين، لأن المتعاطين لأعمال الشعوذة هم أيضا من داخل الأوساط المثقفة والمتعلمة. وعلى العموم، فإن الجهل والفقر يعدان أهم الدوافع الموضوعية والمشتركة لجميع المتعاطين لأعمال الشعوذة من كلتا الفئتين الجاهلة الفقيرة، والمثقفة المتعلمة.دراسةأكدت دراسات إحصائية عربية أنه في العالم العربي يوجد مشعوذ واحد لكل 1000 نسمة من المواطنين. كما انتهت الدكتورة «سامية الساعاتي» في دراسة أعدتها عن السحر والشعوذة في المجتمعات العربية أن 55 في المائة من المترددات على السحرة هن من المتعلمات ومن المثقفات، و24 في المائة ممن يجدن القراءة.إن أعمال الشعوذة في المغرب إمتداد، في قراءة أسبابها ومجالاتها، لما يجري في المجتمعات العربية، بل وحتى الغربية وإن بدرجة تحولت معها الأخيرة إلى مؤسسات قائمة الذات. ويعتبرها علماء الإجتماع، محاولة لتجاوز مشاكل الحياة، وملاذا للباحثين عن طوق النجاة، حين تصد كل أبواب الأمل في وجوههم.ولعل هذا التحليل هو الذي يجعل أعمال الشعوذة تحافظ على وجودها داخل مجتمعات العلم والمعرفة، وفي تناقض صارخ مع فلسفة كل المجتمعات خاصة العلمانية منها، والتي تتخذ من العلم عقيدة ومنهجا في العيش.المعروف في علم الاجتماع، حسب ما هو وارد في مدونة « كنوز المعرفة»، أنه في زمن التحولات العميقة تتنامى مشاعر عدم الاستقرار ويزداد انتشار الخرافات كلما زادت ظروف الحياة صعوبة ، أي أن الخرافات تنتشر أكثر بانتشار حالات القلق والاضطراب والشعور بالضعف والعجز عن مواجهة مشاكل الحياة ومخاطرها، ولذلك فإن السحر كما الخرافة في المجتمع، يقوم بتهدئة المخاوف الناجمة عن الاضطرابات التي تسود زمن التحولات الراهن، وبعبارة أخرى، فإن الشعوذة تلعب دورا تفريغيا لمبررات القلق لدى الفرد وتغييره لاتجاه العدوانية نحو عامل محدد للنصر.ويتزايد المتعاطون للشعوذة وتتنوع فئاتهم، ولا يوجد أي تفسير موضوعي لأسباب تزايدهم. فلم يعد عالم الشعوذة اليوم مقتصرا على الفئات الفقيرة وغير المتعلمة فحسب، بل بات عالم للفئات المثقفة والمتعلمة، زبناؤه من الميسورين ومن الدبلوماسيين والوزراء والمثقفين والباحثين والأطباء...أرقام صار عالم الشعوذة يحقق اليوم أرقاما هامة جدا في عالم المال، ويتزايد اتساع قاعدة زبنائه، بعدما استطاع إقناع الملايين من الناس بفعاليته وقدراته الخارقة، وبعدما صمدت ادعاءات محترفيه أمام الخطابات العلمية، لذا ظلت الشعوذة سوقا مالية كبيرة تدر أموالا مهمة على مزاوليها.وتعد ممارسة السحر والشعوذة بالمغرب امتدادا لانتربولوجيا ثقافية وتاريخية، تطورت في المغرب حتى أصبحت مصدرا اقتصاديا وموردا للاغتناء السريع، بل وفرضت نفسها بقوة ضمن البنية الاقتصادية وتعايشت مع كل المجالات الاقتصادية، حتى أن عددا من التجار تخصصوا في بيع المواد الخاصة بعالم الشعوذة، ومنهم العطارون والمتخصصون في بيع الأعشاب الغريبة، والبخور وأعضاء الحيوانات. كل ذلك يباع بأثمنة باهظة على مرمى ومسمع من السلطة، شأنه في ذلك شأن « دكاكين» الشعوذة التي تقصدها نساء من كل صنف، في عدد من الأحياء الشعبية بل و»الراقية» بحثا عن « تثقيف» الشريك الجنسي، أو جلبا للحظ وردا ل» النحس» في الزواج، وغالبا ما يكون للرجل أيضا حضور قوي في عالم الشعوذة لكن بحثا عن « الثراء» أو الحظ في الشغل أو مواجهة « خصم» أو عدو.قوة الاعتقاد الديني عند المغاربة، المفعم بكرامات الأولياء والقدرات الخارقة لأناس بحكم شجرتهم الدينية، يجد حذوره التاريخية في علاقة القبائل الأمازيغية ب"الأولياء والصلحاء" القادمين من الشرق، والذين أشارت دارسات تاريخية عديدة، إلى لجوء العوانس والعاقرات..طمعا في الحصول على بركاتهم للشفاء ودفع « الكرب». ومعلوم أن المغرب يعد بلد الأولياء و الزوايا ومجمع الصوفية على مختلف مذاهبها، وهو ما يجعل المجتمع المغربي أو بالأحرى تنشئته الاجتماعية روحانية وصوفية تنهل من مرجعية القوى الخارقة.بالرجوع إلى «منتدى كل شيء للثقافة و العلوم»، نجد أن تناولا علميا لظاهرة الشعوذة بالمغرب، يعتبرها متجذرة بحكم طبيعة المجتمع المغربي الروحانية والتصوفية ففي بلد الأولياء، يمكن الوقوف عند دور» الخوارق» في المخيال الاجتماعي» للمغاربة، فمدينة الدار البيضاء مثلا، تضم لوحدها على المستوى الحضري 73 ضريحا، إضافة إلى 38 زاوية، وكلها تعرف رواجا وزيارات منظمة.وإذا كان هذا هو الامتداد التاريخي التأصيلي للعمق الصوفي والديني والروحاني للمجتمع المغربي، فإن التنشئة الجماعية الشعبية والمؤسساتية تعمل على المحافظة على هذه الخصوصية مع تهذيبها من شوائب الشعوذة، إلا أنه ورغم ذلك ما يزال المغاربة يتماهون مع واقع الكرامات وقدرات بعض الأشخاص على القيام بأشياء خارقة، فكان لا بد وأن تنشأ إلى جانب هذا الوعي الثقافي مظاهر للشعوذة يلجأ إليها الناس معتقدين أنها قادرة على قضاء مآربهم أو شفائهم من الأمراض المستعصية.وعلى قدر تنوع المتعاطين للشعوذة يتنوع محترفوها من الرجال كما النساء ولكل منهم منهاجه وطريقة في «حل» المشاكل والعلاج من الأمراض، لكن يمكن أن ندقق في تصنيف الأساليب، فمثلا هناك أسلوب قراءة القرآن و ترديد التمتمات غير المفهومة وجلسات ل"إخراج الجن" من أجساد المصابين بالصرع، بوسائل تعذيب شتى، أو جلسات «الجذبة» المرفوقة بترديد جمل ذات حمولة دلالية روحانية تذكر بكرامات وقدرات الأولياء الصالحين، وغالبا ما يدخل المصابون والمصابات في حالات من الجذبة أو الحضرة الهستيريا حتى يسقطون فاقدي الوعي.ومن المشعوذين من يعمدون إلى أسلوب «ضرب الخط»، و"كتابة الطلاسيم" أي الحروز، أما المشعوذات من النساء فيستعملن أساليب أخرى للتنبؤ بمستقبل السائلين.ويستمر الوضع في غياب تدخل صارم للسلطة رغم تسجيل حالات عدة من النصب واحتيال المشعوذين على زبنائهم، بل وتسجيل حالات وفاة إثر طقوس الصرع الذي يمارسها الفقهاء على روادهم، ليبقى الوضع على ما هو عليه. إصطياد المشعوذين للفاعلين السياسيين أصبح شيئا مألوفا، وكذلك الشأن بالنسبة لرجال أعمال وأصحاب مشاريع كبرى، يساهمون بشكل كبير في إنعاش هذا التفكير الشعبي من خلال دعمهم المالي وحضورهم أحيانا في المواسم والحفلات الشعبية التي تنشط فيها ممارسات من قبيل طلب «البركة» وقراءة الطالع، وكذا التقرب إلى "الأولياء وكتبة التمائم و»الحروز.ويقف اليوم علماء الاجتماع في المغرب مشدوهين أمام تزايد أعداد المتعاطين للشعوذة والسحر، رغم ارتفاع نسب التعلم. ويزداد الوضع غرابة حين تجد رجال الدولة والأحزاب السياسية يستفتون المشعوذين حول مستقبلهم السياسي في الانتخابات، وقادة سياسيين وموظفي دولة بارزين يلجؤون للمشعوذين للاستشارة قبل اتخاذ القرار على أمل الحفاظ على مناصبهم ومواقعهم في التشكيلة الحكومية والانتخابية، وهو ما يضعف فرضية أن الجهل والأمية أحد الأسباب الرئيسية في لجوء المغاربة لعالم السحر والشعوذة.لذلك تبقى الكثير من التكهنات بخصوص تحليل تنامي الظاهرة غير منسجمة مع المعايير العلمية الدقيقة، إذ أنه حين كان الجميع يرجع الشعوذة إلى الأمية والجهل، فإنها استطاعت أن تحقق أرقاما قياسيا في معاملاتها، كما استطاعت توسيع قاعدتها. رشيد باحة

مجتمع الخرافة ينتج مشعوذا لكل ألف مواطن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عدنان: عبأنا أزيد من 13 مليار درهم لتعويض المؤَمَّنين

دجال بأزرو يغتصب النساء ويصورهن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات