خطاب الملك… حالة استنفار

اجتماعات لحث الموظفين على "تطييب خاطر المواطن" في انتظار أن تهدأ العاصفة عقب كل خطاب ملكي تقام الدنيا ولا تقعد، ويتحرك المسؤولون لعقد اجتماعات طارئة من أجل مناقشة مضمونه وإيجاد آليات لتفعيله، حتى يتجنب المسؤول المحاسبة ويقال إنه تجاوب مع الخطاب الملكي. وهذا ما لمسناه بعد الخطاب الأخير الذي انتقد فيه الملك بشدة وصلت حد لفضح الإدارة وبيروقراطيتها وعدم نجاعة المسؤولين عنها، إذ في اليوم نفسه، عقدت اجتماعات واتخذت قرارات وتدابير أعطيت خلالها تعليمات بالاستماع إلى المواطن ومساعدته على قضاء أغراضه في أقرب وقت ممكن، مع تجنب الدخول معه في مناوشات، خاصة أن المواطن سيشهر الخطاب الملكي في وجه كل موظف أو مسؤول أراد أن يعامله بالطريقة نفسها التي كانت قبل خطاب 14 أكتوبر. المواطن سعيد بخطاب الملك، والأكيد أنه سيستفيد منه، على الأقل، خلال الأيام المقبلة، إذ سيجد في استقباله موظفا من "كوكب آخر"، يصل إلى عمله في التوقيت المحدد ويغادره متأخرا. موظف بشوش سمح يعرض خدماته على المواطن ويجتهد لإبعاد كل المساطر البيروقراطية، من قبيل طول الانتظار والبطء في العمل وتسليم الوثائق في آجال بعيدة. شيء جميل هذا الذي عشناه بعد الخطاب الملكي، لكن السؤال الذي يطرح، هل تأثيرات الخطاب مرتبطة بفترة زمنية وبعدها ستعود "حليمة إلى عادتها القديمة" حيث "تجرجير" المواطن وتحقيره من قبل بعض الموظفين، وإنهاكه بمواعد شكلية بغرض ابتزازه ودفعه إلى تقديم رشاو من أجل قضاء غرضه، أم أنه سيمهد لإصلاح حقيقي يسهر فيه المسؤولون عن مختلف الإدارات على تقديم خدمة تليق بالمواطن في مغرب اليوم. علمتنا التجارب أن من شب على شيء شاب عليه، وأن بعض الموظفين ولفوا "البزولة" ومن الصعب "فطمهم" وسرعان ما سيعودون بعد أن تهدأ العاصفة إلى السلوكات إياها التي دفعت عاهل البلاد إلى تخصيص خطاب كامل لها عرى فيه الواقع الأليم للإدارة المغربية. التجربة نفسها عشناها مع العمدة ساجد والمسؤولين بالعاصمة الاقتصادية حينما خصص الملك خطابا كاملا للواقع الأسود للمدينة الذي لا يتناسب مع حجمها الاقتصادي، إذ عقد ساجد ومسؤولين آخرين بالمدينة اجتماعات مطولة مباشرة بعد الخطاب الملكي وفكروا وخططوا وقرروا القيام بمجموعة من الإجراءات والتغييرات تجاوبا مع خطاب الملك. مرت الأيام والشهور قبل أن تعود الأمور إلى ما قبل الخطاب الملكي، لتبقى البيضاء على حالها. الشيء نفسه عشناه مع وزير الخارجية، حينما "تفعفع" عقب خطاب ملكي كشف معاناة مغاربة الخارج مع السفراء والقناصلة، إذ أعلن مزوار حالة استنفار قصوى، وقام بتغييرات على رأس مجموعة من القنصليات، وأعطيت تعليمات بتغيير المعاملة، قبل أن يطوى الملف اليوم، بعد أن هدأت العاصفة. رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي لا يمل ولا يكل من ترديد خطاب إصلاح الإدارة ومحاربة الفساد، رفع الراية البيضاء أمام هذا "البعبع" لتكون حصيلة عمل وزيره مبديع إيقاف بضعة موظفين أشباح، ليستمر الفساد والزبونية والمحسوبية تنخر هذا القطاع. الفساد متغلغل في عقول وقلوب بعض الموظفين، الذين يعتبرون الوظيفة "ريعا" وامتيازا يخول لهم الحصول على راتب شهري ومجموعة من الامتيازات المرتبطة بتوقيت العمل والغياب عنه والشهادات الطبية المتكررة بدون حسيب ولا رقيب، وإذا لم تتغير هذه العقليات، فالإدارة باقية على حالها إلا أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. الصديق بوكزول

خطاب الملك… حالة استنفار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفساد ينتصر على وصفات الحكومات

أحـكـام بـلا تـنـفـيـذ

مقالات ذات صلة