التهافت على اقتسام الغنيمة

وزارات منتدبة لتلبية خواطر أحزاب الأغلبية وتعيين المقربين من الزعامات عاش المغرب في السنوات الأخيرة تجربة تضخم عدد الوزراء، وتقسيم العديد من القطاعات إلى وزارات منتدبة، ليس بحثا عن النجاعة في التدبير، بل تحت ضغط شروط تشكيل الأغلبيات الحكومية، التي باتت تتطلب إرضاء مكوناتها من خلال منحها عددا من الحقائب. ويزداد الوضع سوءا، حين يصبح تدبير موضوع الحكومة وهيكلتها خاضعا لرغبات وأهواء القيادات الحزبية المشكلة للأغلبيات، والتي لا يهمها سوى الحصول على أكبر عدد من المناصب من "الغنيمة"، وليس البحث عن انسجام الفريق الحكومي وقوته. وبالعودة إلى الحكومة الأخيرة، في نسختيها الأولى والثانية، يلاحظ كيف حملت المقترحات وزراء ووزيرات، لم يحملوا قيمة مضافة إلى المؤسسة التنفيذية، بل شكل وجودهم رقما زائدا لا غير في هيكلة الحكومة. والمثير للتساؤل هو أن العديد من الوزراء لم يكن لهم حضور حتى في أحزابهم، ولا يحملون بصمة في القطاعات التي وفدوا منها إلى الحكومة، وهو الأمر الذي يطرح أسئلة عميقة حول موقع النخب في الأحزاب وضعف تجديدها، بسبب هيمنة الزعامات على قرار الاستوزار، من خلال تعيين الأقارب والموالين، بعيدا عن معايير الكفاءة السياسية أو حتى التقنية المرتبطة بتدبير بعض القطاعات. وبالعودة إلى حكومة بنكيران السابقة، يمكن القول إن ما تحكم في هندستها هو عدد الأحزاب التي تشكلت منها، والذي فرض على رئيس الحكومة رفع عدد الحقائب والوزارات المنتدبة، بهدف تلبية طلبات الحلفاء وإرضائهم، ضمانا للأغلبية المريحة للحكومة، وتمكينها من دعم برلمانيي مكوناتها لتمرير قوانينها وبرامجها، بعيدا عن ضغط المعارضة. ورغم الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تعرفها البلاد، وارتفاع حجم المديونية، وضغط كتلة الأجور على ميزانية الدولة، وارتفاع معدل البطالة، والتي تتطلب ترشيد الإنفاق العمومي، وتقليص ميزانية التسيير، إلا أن الملاحظ هو استمرار تضخم في عدد الوزارات، بل تفريخ وزارات على المقاس، لتدبير قطاع يعتبر في الأصل جزءا لا يتجزأ من مهام الوزارة الأم، كما جرى في قطاع التربية الوطنية والتعليم الثانوي والتكوين المهني، إذ جرى توزيع القطاع إلى ثلاث وزارات ، في الوقت الذي كان من الممكن تدبيرها من قبل وزارة واحدة. ويرى الباحث ادريس الكريني، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بمراكش، أن مغرب اليوم مطالب بكسب رهانين، الأول ضمان انسجام الفريق الحكومي، لتجاوز الإشكالات التي رافقت حكومة بنكيران الأولى، والتي تميزت بضعف التضامن الحكومي، بين مكوناتها، وهي الوضعية التي انتهت بخروج حزب الاستقلال، وتعويضه بالتجمع الوطني للأحرار. والرهان الثاني هو استحضار المصلحة العليا للدولة والمجتمع من خلال ترسيخ الحكامة الجيدة التي تعتبر من مرتكزات دستور 2011، بما تعني ذلك من ترشيد النفقات وتجاوز هدر الموارد. وأوضح الكريني في حديث مع "الصباح" أن هيكلة الحكومة، واختيار وزراء ببروفايلات محددة، يجب أن يستحضرا الفعالية والكفاءة والقدرة على تجويد العمل الحكومي، والتجاوب مع حاجيات ومتطلبات تدبير السياسات العمومية بصورة تدعم جهود التخليق والحكامة، بعيدا عن المقاربات الحزبية المتجاوزة، والتي يتأكد يوما بعد يوم، فشلها في فرز حكومات قوية بعدد وزراء معقول. تضخم عدد الوزراء هدر للموارد إن وضعية المغرب، لا تحتمل عددا كبيرا من الوزراء، بالنظر إلى الهدر الكبير في الموارد، وتشتيت قطاعات وزارية على أكثر من وزارة، لا لشيء إلا من أجل ترضية خواطر الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، والتي تقيس عدد وزرائها بعدد النواب البرلمانيين، ضدا على متطلبات التجويد والفعالية، لأن حقيبة واحدة لتدبير قطاع مثل التعليم بجميع مستوياته، من شأنها تعبئة الموارد المالية وعدم تشتيتها، والعمل وفق رؤية موحدة وتحت إشراف وزير واحد، عوض تفريخ وزارات من الوزارة الأم، سرعان ما يقع التناقض بين وزرائها، من جهة، وبين الوزراء ورئيس الحكومة، من جهة ثانية، كما حصل في الحكومة السابقة في قطاع التعليم. ويخلص الباحث في العلوم السياسية إلى أن تشكيل الحكومة واختيار وزرائها بناء على بروفايلات دقيقة تراعي النجاعة والفعالية، أمر ضروري تمليه الوضعية المالية والاقتصادية للبلاد، ومتطلبات تجويد العمل الحكومي، كما تعتبر مناسبة المشاورات واقتراح الأسماء المرشحة للاستوزار، محطة لقياس مدى استيعاب الأحزاب للمتغيرات السياسية والدستورية ولمضامين الخطب الملكية التي تؤكد على ضرورة استحضار مصالح المواطنين والمجتمع، عوض المصالح الحزبية الضيقة. برحو بوزياني

التهافت على اقتسام الغنيمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجامعة تحجز فندق الأسود بأوييم الغابونية مبكرا بطلب من رينار

عائلات تشتري لأبنائها حقائب "وزارية"

مقالات ذات صلة