عيسى بن عمر … الحجاج

القائـد بـريء مـن دم شقيقـه بعد وفاة القائد محمد بن عمر، الذي أدار أمور قبائل البحاثرة أزيد من 15 سنة، عين السلطان الحسن الأول عيسى بن عمر خلفا له، تعيين باركه كبار أعيان قبيلته، الذين أعلنوا «بيعتهم» الصغرى له. لم تمر خلافة عيسى بن عمر لشقيقه دون مشاكل، إذ راجت إشاعات، ساهم فيها أيضا قياد منافسون له، حاولوا بشتى الوسائل والإغراءات ضم قبيلة البحاثرة إلى مناطق نفوذهم. تبقى أهم هذه الأخبار، ما شاع حول تورط القائد عيسى بن عمر في قتل شقيقه القائد للظفر بقيادة القبيلة، وهي الرواية التي لقيت انتشارا واسعا بين سكان المنطقة، سيما بعد الوفاة المفاجئة للقائد محمد بن عمر. سيستند مؤيدو هذه الفرضية إلى ما جاء في أحد أشعار الشيخة «حويدة الزايدية» المشهورة بخربوشة، والتي حاربت بها القائد بعد ثورة قبيلتها أولاد زايد، وهجته فيها بشكل لاذع، وهي من أشنع الأوصاف التي انتشرت بمنطقة عبدة قبل أن تعم جميع مناطق المغرب. جاء في إحدى «عيوط» الشيخة خربوشة: « فينك أعويسة، وفين الشان والمرشان، تعديتي وخسرتي الخواطر، وظنيتي القيادة على الدوام، في أيامك الجيد مابقالو شان، والرعواني زيدتيه القدام، سير أعيسى بن عمر أوكال الجيفة، ويا قتال خوتو، ومحلل الحرام «. هذه الرواية، اعتمدها المخرج المغربي حميد الزوغي في شريطه السينمائي «خروبشة»، وإن بطريقة تشكك في صحتها، خصوصا في المشهد الذي جمع شيخ قبيلة البحاثرة، الذي لعب دوره الفنان الراحل محمد مضياف، وبعض أبناء القبيلة، الذين استفسروه إن كان المرض الذي أصاب ماشيتهم انتقاما من الله من القائد، لأنه تورط في قتل شقيقه، ما جعل الشيخ ينهرهم ويفر خوفا من الوشاية. اعتمد أنصار هذه الرواية على بطش القائد وحبه لسفك الدماء، ضد من تمرد على سلطته ولو كان من المقربين، بل إن الموت لدى القائد عيسى بن عمر صار لعبة سهلة القواعد، تجعله يدبر عملية اغتال شقيقه والظفر بالقيادة، مستغلا زيارته لقصر السلطان ونسج علاقة مع كبار الدولة، ما يجعله معفيا عن أي متابعة. غير أن هذه الرواية، سرعان ما ستتحول إلى إشاعات، بعد أن تطوع باحثون لدراسة حياة قائد عيسى بن عمر، وتمكنوا من الحصول على كل الأدلة الملموسة، التي تؤكد انتقال القيادة إليه كان بعد وفاة شقيقه نتيجة مرض عضال، بل وبتوصية منه، ، وبالتالي ما راج من أخبار زائفة، هدفها النيل من القائد، حركتها العداوة الكبيرة التي كنها له جميع الأطراف قياد ومعارضيه من قبيلة البحاثرة وكل المناطق التي كانت خاضعة له. حسب الباحثين، فإن القائد محمد بن عمر، عندما ألم به المرض والشيخوخة وشعر بدنو أجله، رشح شقيقه عيسى لتولي منصب القيادة، إذ بعث برسالة إلى السلطان مولاي الحسن الأول، يكشف فيها ظروفه الصحية التي لا تسمح له القيام بأعباء القيادة، والتمس تعيين أخيه عيسى بن عمر خليفة له على قيادة البحاثرة، وبعد مضي ستة أشهر على تقديم طلبه، وافق السلطان على طلبه، وذلك في 1879، وهي سنة وفاته. كما تشير المصادر التاريخية إلى أن تعيين عيسى بن عمر قائدا لقي ترحيبا كبيرا من أعيان القبيلة، ما يكشف أن القائد الجديد لم يشتر منصب القيادة الذي كان رائجا في تلك الفترة، بسبب فساد رجالات المخزن، أو اغتصابه، وإنما حازها بحكم المركز الاجتماعي الذي كانت تحتله أسرته والتجربة التي اكتسبها خليفة ومستشارا لشقيقه لمدة 15 سنة. بعد تعيينه قائدا على قبيلة البحاثرة من قبل السلطان الحسن الأول، استطاع القائد عيسى بن عمر أن يفرض نفسه من أهم قياد المغرب في أواخر القرن 19، وأكثرهم حظوة وقربا من السلطان ورجاله الأقوياء. لم يأت ذلك صدفة، أو بالمال كما راج من روايات شفوية، لكن بسبب ذكائه وحنكته منذ أن كان خليفة لشقيقه القائد محمد بن عمر، إذ نجح في استغلال المهام التي كان يقوم بها نيابة عن شقيقه بقصر السلطان بفاس لنسج علاقات قوية ومتينة مع أهم رجالاته، سيما الحاجب أحمد بنموسى، الذي سيصبح الآمر الناهي في المغرب بعد وفاة الحسن الأول. رقابة سلطانية كشف المؤرخون استنادا على مراسلات أن علاقته بالحاجب الملكي كانت وثيقة جدا، تتخللها مضامين التقدير والوفاء بين الطرفين، وتصل أحيانا إلى تقديم النصح للقائد، بعيدا عن لغة اللوم والعتاب، كما الأمر لباقي القياد بالمنطقة، الأمر الذي جعله يحظى بمكانة رفيعة لدى السلطان الحسن الأول، الذي كان يراهن عليه على تثبيت ملكه بمنطقة عبدة، وضمان استقرار المغرب قي فترة تاريخية حساسة، وهو ما نجح فيه القائد بشكل كبير، إضافة إلى إنعاشه مداخيل بيت مال المسلمين من ضرائب المكلفة على أفراد قبائل البحاثرة، لتمويل المعارك لإخماد الفتن والثورات. رغم قرب القائد عيسى بن عمر من السلطان، إلا أن ذلك، لا يعني أنه خارج عن أي رقابة على أعماله وتجاوزاته، إذ يكشف الأستاذ مصطفى فنيتير، أن الحسن الأول، وإن راهن على القياد لتثبيت سلطاته وإخماد تمرد القبائل، إلا أنه كان لا يقدم لهم هذه المناصب على بياض، بل كان يلزم كل قائد أن يقدم تقارير عن أعمال وسلوكات منافسه في مناطق أخرى، إضافة إلى إرسال جواسيس مهمتها إعداد تقارير يومية عن سلوك القياد تبعث يوميا إلى السلطان . ساهمت هذه العملية، في ضبط أعمال القياد، ومن بينهم طبعا القائد عيسى بنعمر، الذي أجل طموحه الكبير في توسيع نفوذ قيادته لتشمل كافة مناطق عبدة إلى وقت آخر، لهذا اتهم بشؤون قبيلته ووحدتها، وتفرغ إلى إتمام بناء القصبة، التي ستحمل اسمه إلى الآن، رغم أن شقيقه محمد بن عمر من شرع في بنائها، وتصير مقرا لقيادته، ومسكن عائلته وحريمه، إذ خصصها بجميع المرافق، منها قاعة للحكم والإدارة والجيش، وبناء خاص مقرا للزاوية التيجانية. لمع اسم القائد عيسى بنعمر بشكل كبير في حقبة السلطان الحسن الأول، قائدا يعتمد عليه ويستشار رأيه في العديد من القضايا الحاسمة، إذ نجح في تقديم مشورات لقيت استحسان السلطان. كما الأمر لقياد المغرب، شارك القائد عيسى بنعمر في العديد من «المحلات» التي قادها السلطان الحسن الأول لإخماد الثورات، خصوصا تلك التي اندلعت بمراكش والحوز، إذ أمر بقيادة جيش من قبيلته واللحاق بجيش السلطان القادم من فاس، فأبلى بلاء حسنا في إخماد الانتفاضات، ما زاد من مكانته لدى رجال المخزن. واستغلالا لهذه الحظوة، سيخطط القائد عيسى بن عمر للهيمنة على منطقة عبدة كاملة، وإقصاء جيرانه من القياد، وسيشرع في تنفيذ مخططاته مباشرة بعد وفاة السلطان الحسن الأول، وبيعة نجله الصغير مولاي عبد العزيز بعد تخطيط محكم من الحاجب أحمد بن موسى الصديق المقرب للقائد. مصطفى لطفي

عيسى بن عمر … الحجاج

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لشكر يوجه صفعة لبرلماني حزبه بآسفي

كفوري بـ"مزاغان"

مقالات ذات صلة