المايسترو… مرجع فني ورمز إنساني(6)

حـب أستـاذ فلسفـة عاش موحى والحسين، رئيس أشهر فرق أحيدوس، المزداد في 1898 في ظروف «رديئة جدا في زمن السيبة حيث السيادة للقبائل القوية عدديا وعتادا»، حسب الباحث خالد الزيواني، (عاش) حياة بسيطة في بيت متواضع بأزرو نايت لحسن، تحول لما يشبه “الزاوية” المفتوحة في وجه الأصدقاء والعائلة والفنانين. ويؤكد خالد أن المايسترو كان أحيانا فضوليا، إذ بمجرد علمه بتاريخ حفل، أو عرس أو مهرجان، كان يتوجه إلى مكانه أو يتصل بمنظمه عارضا مشاركة فرقته، “يدعو نفسه بنفسه دون أي شروط مادية” و”الناس يرحبون بوفادته لمعزتهم الكبيرة له”، سيما بالمناطق القريبة من خنيفرة، وفي كلميمة وغيرها. كانت الابتسامة لا تفارق محيا هذا الفنان الاجتماعي بطبعه وتربطه علاقات اجتماعية وإنسانية متنوعة وكبيرة مع كل الناس والفنانين. كريم مع ضيوفه، ذو شيم نادرة جعلت منه إنسانا محبوبا يطعم ويكرم الغريب، ومطلوبا في كل الحفلات والمهرجانات التي “طالما شارك فيها دون مناقشة الجانب المادي”. حبه الشديد للضيوف والزوار المترددين على بيته، قيمة إنسانية كبيرة ميزته، إذ “إضافة إلى كرم الضيافة وإلزام الزوجة الثانية بتحضير الشاي وما يرافقه، كان المرحوم يوصي بإبلاغ سلامه لكل من يسأل عنه، ويقولها بدارجة متعثرة (مرحبا بكم فداري)”، يحكي بوجمعة كرمون أستاذ سابق بثانوية تازيزاوت. بداية تعارفهما كانت في 2010 لما عين هذا الأستاذ لمادة الفلسفة ابن قرية بني وليد بتاونات، بهذه الثانوية بمركز القباب، إذ التقى صدفة المايسترو صبيحة اثنين تزامنا مع انعقاد السوق الأسبوعي. بسهولة تعرف عليه وسط زحام المتسوقين، بسلهامه الذي لم يفارقه داخل وخارج البلدة. “كان اللقاء فرصة لا تعوض للتعرف على شخصية رسخت في أذهاننا عبر التلفاز. كان مرتديا سلهامه الأسود فوق جلباب أبيض. تهافتت على أخذ صورة تذكارية معه وزوجته الممسكة بيده لإعانته على التواصل مع الآخرين، كما يفعل كل الوافدين على منزله بشكل يومي، لهذا الغرض أو غيره” يحكي بوجمعة. ولأن هذا الفنان الراحل، كان من عشاق سوق القرية، «كان لقائي به يتجدد كل أسبوع، إذ كنت «أقرأ» فيه التاريخ، وأجدد معه «النوستالجيا»، وأشم فيه رائحة الوطن والانتماء والهوية» سيما في سلهامه ملازمه بالبلدة وخارجها، والموثق لعلاقة الامتداد الهوياتي بين الفن والانتماء الثقافي والحضاري للفنان. لم تقف فرحة الأستاذ بلقاء المايسترو، بل حدثت مفاجأة لم يتوقعها، في الأسبوع الأول من عمله بالثانوية، لما اكتشف أن تلميذا وسيما بين تلاميذه، هو حفيد الراحل الذي طالما ناداه بالأب وليس الجد، إذ سيصبح «فرع الأصل» طريقا لتتبع أخبار هذا الفنان والسؤال عن حاله للاطمئنان عليه بعد تدهور صحته. «الوالد عيان مسكين».. عبارة طالما فاه بها التلميذ في رده على أستاذه المستفسر دوما عن أحوال المايسترو، إذ «تجربة الألم كانت تنتقل إلى دواخلي، طالبا الشفاء له» قبل أن يزوره بداره مستعينا بأستاذ ساعده في ترجمة كلامه، بعدما تجرد من وزرة الأستاذ. «وجدته مستمتعا بدفء فرن حديدي في يوم بارد عرفته القرية، كما سكان الأطلس المتوسط معتبري الحطب «جزءا من توليفة حياتهم» «كان حفدته وزوجته الثانية إلى جواره، بعدما تحملت كثيرا عناء الاهتمام به، إذ كان لها الفضل في استقبال الزوار وتهييء أكواب الشاي لهم» يحكي بوجمعة بحماس شديد. ويزيد «طلبت منا الزوجة الانتظار قليلا كي يرتدي «المايسترو» سلهامه، وفتحت لنا باب غرفة مستقلة عن منزل الأسرة. كانت الغرفة عبارة عن «متحف» يضم عشرات الصور والأوسمة والهدايا، نوافذها تطل على حقول الذرة و»البرسيم» المجاورة للقرية الصغيرة، التي تبعد عن مركز القباب بـ 8 كيلومترات»، في تمازج بين الطبيعة والتاريخ. فجأة دخل الرجل الشامخ كالجبل، مرتديا جلبابه الأبيض وسلهامه الأسود، وجلس إلى جانبه حفيده البكر، الذي كان يرافقه في عدة حفلات أحيانا بعيدا عن القرية، ويحمل تفاصيل أخرى عن حياة جده وعلاقاته الاجتماعية والمهنية وكيفية تشبعه بفن الفلكلور الأمازيغي المحلي المعروف اختصارا بأحيدوس. ويضيف «كنت محظوظا بمعايشتي فترة من حياته، جالسته في بيته المجاور لغابة أزرو نايت لحسن، وتعرفت على محطات مثيرة من حياته، قبل أن أحضر جنازته التي شهدت غياب الرسميين، اللهم من فنانين محليين من الحاجب وأزرو وخنيفرة، وكأن الشخصيات الرسمية لا تطيب لها الخطى إلا بمحور الرباط والبيضاء». حميد الأبيض (فاس)

المايسترو… مرجع فني ورمز إنساني(6)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شكايات كيدية ضد مستثمر إيطالي

موسكير بقوافل سيدي إفني

مقالات ذات صلة