عائدون من “داعش” … المخدوعون

آلاف الشباب نزحوا من وسط فقير إلى آخر يعدهم بالسلطة والمال بعد أن تعرضوا لـ ״غسيل دماغ״ تصبح خطوط الدراسات والتحليلات والقراءات السياسية لتبني آلاف المغاربة، من داخل المغرب وخارجه، المشروع الدموي ل»داعش»، متوازية، يستعصي عليها الالتقاء في سبب واحد ومطلق. البطالة والفقر، وانتفاء تعدد الأفكار والقبول بنسبيتها مهما بلغت درجة الاقتناع بها، ما يفتح المجال لفكر التطرف الذي يوزع الناس بين أسود وأبيض، والبحث عن تحقيق الذات عبر المشاركة من موقع الشورى، كلها أسباب لا تهملها أغلب الدراسات، إلا أن السبب الحقيقي الذي يحرك في الشاب المغربي الرغبة في الغطس في حمامات دم تنظيم الدولة، يبقى غامضا، ولا ملامح محددة له. تشير المعطيات الرسمية إلى أن أزيد من 1300 مغربي التحقوا بالصفوف الأمامية لمليشيات "داعش"، 156 منهم عادوا إلى أرض الوطن، وتوبعوا بأحكام قانون الإرهاب، و185 منهم إناث مرفقات ب135 طفلا، ألحقوا رغم حداثة سنهم بمخيمات التدريب، فيما منعت الضربات الأمنية حوالي 2700 مغربي من الالتحاق ب"داعش" أو تنفيذ 276 مشروع عملية إرهابية، أحبطها الأمن. لكل دوافعه «والله لم أذهب إلى هناك إلا لأناصر الشعب السوري الذي يتعرض للقتل والذبح والتنكيل»، رد تقاسمته شهادات عدة عائدين من سوريا، ممن يؤكدون أنهم غادروا في الأفواج الأولى، إثر نفير الشيوخ. «لو لم ألمس مباركة السلطات المغربية لما ذهبت، أنا كنت في حركة 20 فبراير، وناشط حقوقي وناشط معروف على الفيسبوك، وكان مظهري الخارجي عاديا جدا، لكني إبان بداية أزمة الشعب السوري، تأثرت بما يتعرضون له، ولم أتردد في تلبية دعوة صديق لي بالالتحاق به بسوريا، خاصة بعد أن أقام المغرب مستشفى ميدانيا في الأردن»، يقول رشيد لمليحي الذي يتحدر من حي طنجاوة بتطوان، وقضى بسوريا حوالي خمسة أشهر قبل أن يعود أدراجه. «بعد أن وصلت إلى هناك اكتشفت واقعا آخر»، يضيف لمليحي، البالغ من العمر 34 سنة، ثم يقول بما يشبه التعرض للخداع، «حين وصلت اكتشفت أن صديقي ينتمي إلى تنظيم الدولة في بداياته، أي قبل أن يعلن البغدادي نفسه خليفة، وصارحت صديقي وبعض أبناء الحي الذين التقيتهم هناك، أني لا أتفق مع الانقسامات وتكوين جماعات متعددة وطوائف، بل اعتقدت أني سألتحق بمشروع واحد وجماعة واحدة موحدة هدفها مساعدة الشعب السوري وإسقاط نظام بشار الأسد». أبعد رشيد عن دوائر المقاتلين، وأصبح بمثابة ضيف ينتظر الفرصة المواتية للرحيل. «لم أتلق أي تدريب عسكري ولم ألحق بأي كتيبة، قبل أن أقرر المغادرة والعودة، فغادرت القرية التي توجد بحلب والتحقت باللاذقية قبل أن أهرب إلى الحدود التركية لأعود إلى وطني». قصة لمليحي تختلف كثيرا عن قصة محمد الذي يتحدر من وجدة، والذي التحق ب»داعش» ضمن الأفواج الأخيرة، إذ قالت شقيقته، «هو أصغرنا سنا، وبالكاد حصل على الباكلوريا، كان قرة عين أمي، لذلك توفيت حزنا عليه بعد أن هاجر، لم تتقبل ذلك، وكانت تمتنمع عن الأكل والشرب رغم إصابتها بعدة أمراض، كما كانت تقضي اليوم في البكاء، وتطرح سؤالا واحدا: علاش؟ علاش؟ دون أن يأتيها الجواب». الجواب جاء متأخرا من محمد، إذ بعد أيام قليلة من وفاة والدته، اتصل بعائلته ليطمئنها عن أحواله، قبل أن يعلم بوفاة والدته، «بكى طويلا وهو يحدثنا عبر «الواتساب»، حاولنا أن نجد عنده جوابا مقنعا، واكتشفنا أنه كان متأثرا بالفكر الداعشي، وكنا قد لاحظنا ذلك أسابيع قبل مغادرته، إذ تغيرت سلوكاته، وكان يحاول جاهدا أن يختلي بنفسه، ربما كنا سنعرف أنه يخطط للالتحاق بداعش، لم يعد يجالسنا كما كان يفعل من قبل، إذ ظل محمد بأعيننا دائما الطفل المدلل، الذي لا يمكن أن تجده إلا جالسا بجانب والدتي، لكن قبل سفره كان ينزوي إلى أماكن أخرى». حاولت أسرة محمد أن تقنعه بالعودة، غير أنه كان متمسكا بالقتال مع «داعش» إلى أن ينال حسب اعتقاده الشهادة، «ظل يتواصل معنا لفترة، قبل أن تنقطع أخباره بصفة نهائية، حينها اقتنعنا أنه لن يعود، وأنه لن تمر فترة طويلة حتى نسمع خبر وفاته». مصطفى الطواهري المتحدر من سلا، هو أيضا واحد ممن التحقوا ب»داعش» في بداية أزمة سوريا، «صدمت بعد وصولي إلى هناك، قضيت شهرا ونصف، وعدت إلى بلدي، لأن الصورة التي كانت في مخيلتي مغايرة تماما لما اكتشفته هناك». التحاق مصطفى بسوريا لم يكن بسبب تعاطفه مع الشعب السوري فحسب، بل «لبيت نداء الشيوخ، لم أناقش الأمر مع أحد، بل اعتبرت الأمر مفروضا لذلك حجزت تذكرة من مالي الخاص». عند وصوله إلى الحدود لم يجد مصطفى صعوبة في العثور على من يوصله إلى المقاتلين، «بدا الأمر من خلال نداء النفير شرعيا، وتخيلت أني سأجد جيشا منظما لنصرة الشعب السوري، لكن اكتشفت غير ذلك جماعات إرهابية تتقاتل في ما بينها، وعليك أن تختار الجهة التي ستنضم إليها، لذلك كنت شبه تائه لا أنشد إلا العودة، فليس هذا ما هاجرت من أجله». مراحـل... كثيرون ممن غادروا في بداية فتح الحدود لاستقبال المناصرين للمعارضة السورية بكل تلاوينها، قبل أن يكشف التنظيم الإرهابي عن خططه وعن مشروعه في إقامة "الدولة الإسلامية"، "لم يكن هذا هدفي من الالتحاق بسوريا، حين وصلت إلى هناك نقلنا إلى دار ضيافة، وبدأت أكتشف أشياء أخرى غير ما أخبرت به في المغرب، وكان رجال التنظيم يهمشون كل من يطرح الأسئلة، إذ لم تتح لنا الفرصة لتلقي تدريبات عسكرية أو المشاركة في مواجهة ضباط بشار الأسد، لم يكن الأمر كما اعتقدت شورى بين الجميع، قبل أن تظهر حقيقة التنظيم وينقسم المقاتلون وتبدأ المعارك بينهم أنفسهم، وحتى المغاربة انقسموا، في هذه اللحظة قررت العودة مهما كلفني ذلك من ثمن"، يقول أحد العائدين من سوريا ضمن الأفواج الأولى التي حوكمت بسلا. طرق إقناع الدواعش للشباب المغربي اختلفت بين مرحلة ما قبل ظهور حقيقة التنظيم الإرهابي، وما بعد إعلان أبي بكر نفسه خليفة للمسلمين، "كانوا يسلموننا أشرطة مؤثرة عن قتل النساء والأطفال من قبل قوات بشار الأسد، وأقنعوننا أن الدولة لم تحاكم الذين سيلتحقون بسوريا، وحتى عندما حجزت تذكرة السفر، لم يسائلني أحد رغم أن السلطات تعرف أني سلفي الفكر، فغادرت بحرية، وقضيت هناك حوالي شهرين، لأكتشف مخططات ومؤامرات لا تتناسب وقناعاتي ولا مع أهدافي، فقررت العودة بدون تردد، حتى حين علمت أنه قد تتم تصفيتي في طريق العودة"، يقول أحد العائدين ممن يقضون عقوبة حبسية بسلا. في المرحلة الثانية لم يعد تنظيم الدولة الإرهابية في حاجة إلى صور مآسي السوريين، وجثث الأطفال تحت أنقاض البيوت المستهدفة بطائرات قوات الأسد، بل انتقلت إلى مرحلة تأسيس شعب لدولة وهمية، فعرضت بداية دورات تكوينية على الأنترنيت مخصصة لأنصار "داعش"، تابعها، حسب مصادر مطلعة، أزيد من 4 آلاف مغربي، وافتتحت الدورة التي حملت شعار "الدورة العلمية لأنصار الدولة الإسلامية"، بدرس عن "الدستور المغربي في ميزان الشرع"، بقلم "أبي قتادة المهاجر"، وهو دكتور مغربي في الشريعة الإسلامية. تسلحت "داعش" بالتكنولوجيا، واستغنت عن صور المذبوحين، لتنتقل إلى تقنيات التواصل لإقناع الشباب، واستعانت بفيديوهات مغاربة التحقوا بها، يتحدثون عن الغنائم والسبايا، كما استعانت بصور بعضهم وهم مسلحون ب"الكلاشينكوف" وما يوحي به ذلك من قوة. وهو ما تزكيه دراسة أجراها مركز الشمال لحقوق الإنسان، إذ أفادت أن 40 في المائة من الملتحقين بسوريا والذين يمثلون الجيل الأول الذي هاجر مباشرة بعد اندلاع الثورة السورية وإطلاق ما يسمى "نداء النفير العام لأرض الشام" ، تم استقطابهم بشكل تقليدي ومباشر حسب ما أفاد به أقارب وأصدقاء المقاتلين، في حين أن 60 في المائة، ممن يمثلون الجيل الثاني تم استقطابهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي. "مشروع الخلافة" لقي تجاوبا من مئات الشباب، تعرضوا لغسيل دماغ، بعد أن أبعدوا عمدا عن علماء وشيوخ السلفية في المغرب، والذين تعرضوا بداية، لحملة تشويه من قبل شيوخ "داعش"، وبذلك بنى التنظيم جدارا بين سلفيي المغرب وبين شيوخهم، الذين وصفهم ب"علماء السوء"، كما استغل الدواعش الحرب التي تعرض لها الإسلام ليقدم نفسه مدافعا عن الدين ويخاطب مواضع الألم عند الشباب الجهادي. انخفاض عدد الملتحقين الضربات التي وجهتها الأجهزة الأمنية لقلاع «داعش» بالمغرب، ساهمت بشكل كبير في انخفاض عدد الملتحقين بالتنظيم، بل إن الشباب اقتنعوا بأن الجرائم والممارسات التي ترتكبها المنظمات الإرهابية بالمنطقة، وعلى رأسها تنظيم «داعش» من قتل وذبح سواء في حق المسلمين أو باقي منتسبي الديانات والطوائف الأخرى لا تمت بصلة إلى تعاليم الدين الإسلامي. ولا تقتصر عمليات استقطاب الشباب على الذكور فحسب، بل إن النساء يلتحقن أيضا بجبهات القتال بسوريا، وهو ما بينته الدراسة نفسها، إذ أن 38 في المائة من الملتحقين ب"داعش" إناث، ضمنهن طفلات. ويستهدف التنظيم الإرهابي العائلات أيضا، بعد أن ركز على توجيه خطاب عاطفي إلى النساء باعتبارهن عائقا في هجرة الأزواج والأبناء ولهذا أفرد لهن بحثا خاصا تحت عنوان: دور النساء في جهاد الأعداء حيث جاء فيه "وسبب مخاطبتنا للمرأة بأنها إذا اقتنعت بأمر كانت أعظم حافز بأدائه، وإذا عارضت أمرا كان من أعظم الموانع له، سيما إذا كانت تلك المرأة أما أو جدة يجب برها وطلب رضاها". كما استغلت «داعش» نساء لمخاطبة المستهدفات على المواقع الاجتماعية، عبر إنشاء حسابات على المواقع الاجتماعية بأسماء مستعارة من قبيل أم هبة وأم خالد والمشتاقة للجنة، وغيرها. التكوين العلمي يسهل التجنيد من جهتها قاربت دراسة بريطانية حديثة لمارتن روز، مستشار المجلس البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أسباب التحاق الشباب بداعش من وجهة نظر علمية، إذ بينت نتائجها أن 48.5 في المائة من المجندين في التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خريجي الجامعات، وأن 44 في المائة منهم من خريجي الهندسة. الدراسة خلصت أيضا إلى أن التعليم العلمي يفشل في تعليم الشخص التفكير النقدي بالطريقة ذاتها التي تسمح به النقاشات فى تعليم الآداب، بينما "عقلية الهندسة" تجعل طلاب العلوم فريسة سهلة للتجنيد في الحركات الإرهابية. واستعانت الدراسة بنتائج دراسات أخرى أكاديمية، وتقارير المخابرات البريطانية، التي تصف المجند المثالي بأنه "ذكي وفضولي، لكنه لا يجادل السلطة"، وانتهت إلى أن "ثقافة تعليم العلوم ينتج عنها ثنائية حق وباطل، وصحيح وخطأ". كما خلص بحث ميداني حول "المواصفات السوسيوديمغرافية للشباب المقاتل بسوريا والعراق المتحدرين من شمال المغرب"، إلى أن العوامل الدنيوية متمثلة في "تحقيق الذات والبحث عن البطولة والمغامرة والرفاهية، أسباب رئيسية في التحاق شباب مدن شمال المغرب بالتنظيمات الإرهابية، مقابل عوامل دينية كالجهاد ونصرة المستضعفين والتي تبقى ثانوية خصوصا لدى الجيل الثاني الذي تأثر بما يبثه بعض المقاتلين المغاربة عبر شبكات التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع فيديو تظهر رغد العيش الذي ينعم به "المجاهدون". وأشارت نتئاج البحث الميداني الذي أنجزه مرصد الشمال لحقوق الإنسان، إلى أن جميع المستجوبين لم يسبق لهم الانخراط في أي حزب سياسي أو الاشتغال داخل جمعيات المجتمع المدني، فيما 10 في المائة فقط سبق لهم المشاركة في الحركات الاجتماعية وهي حركة 20 فبراير إضافة إلى الوقفات الاحتجاجية للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين السياسيين التي كانت تنظم كل أسبوع بمدن تطوان، المضيق، الفنيدق ومرتيل. وفي ما يتعلق بالمستوى التعليمي أكد البحث أن أزيد من 57 في المائة من الملتحقين ب»داعش» تلقوا تعليما ابتدائيا، في حين بلغ المستوى التعليمي لـ 27 في المائة مستوى الإعدادي مقابل 6 في المائة ثانوي و10 في المائة جامعي. المستوى الاجتماعي، يلعب دورا كبيرا في التحاق الشباب بالجماعات الإرهابية، إذ أن 74 في المائة من الملتحقين من مدن الشمال ب»داعش»، يتحدرون من شريحة اجتماعية هشة. عامل الشباب أيضا يدفع المغاربة إلى التأثر بأفكار «داعش»، وهو ما بينته الدراسة نفسها، إذ أشارت إلى أن الفئة العمرية الأكثر استقطابا، هي فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و25. ضحى زين الدين

عائدون من “داعش” … المخدوعون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اتهـام شركـة بالتزويـر للسطـو علـى عقـار

"الحلبة" تساعد على تكبير المؤخرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات