ماهو موقع المخدرات التي توصف بـ"الرخيصة"، وأساسا "المعجون" و"الدوليو" ضمن خريطة المخدرات بالمغرب؟ أولا أريد التنبيه إلى قضية مهمة: كثيرا من وسائل الإعلام، عن قصد أو غير قصد، تقع في خطأ تصنيف بعض المخدرات، من قبيل المعجون على أساس أنها "شعبية" و"غير شعبية"، دون أن تدرك حجم حمولة ذلك المصطلح وما قد يفهم من تشجيع على الاستهلاك. وثانيا لا يوجد في المغرب اليوم، مخدر أكثر خطرا من التبغ والدخان، ويوجد على رأس المخدرات القاتلة من حيث حجم الوفيات التي يسببها سنويا في العالم (6 ملايين وفاة سنويا).أما "المعجون"، فينقسم إلى عدة أنواع، وأخطرها وأشدها فتكا مقارنة بباقي الأنواع، ذلك الذي يعد "زيت الحشيش" مكونا رئيسيا فيه، وعلى مستوى الانتشار، فمن المعلوم، أن الحشيش، هو المخدر الثاني الأكثر انتشارا، بالمغرب، بعد التبغ.ومن أوجه خطورة المخدرات التي يدخل "الحشيش" في تركيبتها، أن حشيش ما قبل ثلاثين سنة من الآن، ليس هو حشيش اليوم، لأن المادة الفاعلة في تركيبته، والتي نسميها طبيا "تي آش سي" (رباعي هيدرو كانابينول)، صارت أكثر تركيزا في الحشيش الذي ينتج الآن مقارنة بالفترات الماضية، والتي تتسبب في أمراض خطيرة.أما "الدوليو"، فيستعمله للأسف أطفال الشوارع، لأنهم متاح لهم من حيث السعر، ولأنه مادة مباحة وبيعها غير محظور لأنها تستعمل لأغراض صناعية، على غرار غراء العجلات "السلسيون"، وكلها تتكون من مواد كيمائية خطيرة. وهذا يذكرني بأمر يجب تسليط الضوء عليه، ويتعلق بـ"المخدرات الجديدة"، التي جعلتنا ننتقل من حوالي 20 نوعا من المخدرات إلى 600 اليوم، بسبب مختبرات سرية، تنشط في إبداع أنواع من المخدرات بالاعتماد على عقاقير كيميائية غير محظورة. ماذا عن الأمراض العقلية والجسدية التي تسببها تلك المستحضرات، من "معجون" ومخدرات جديدة؟ إن إدمان تلك المخدرات، بوصفه مرض مزمن، ترتبط به أمراض، على رأسها "السكيزوفرينيا" و"الهلع المرضي"، وأمراض عقلية كثيرة. وعلى المستوى الجسدي، تظهر أمراض وعواقب وخيمة، منها السرطان والأمراض التناسلية وأزمات التنفس، والتأثير على وظائف الدماغ والجهاز العصبي، زيادة على ارتدادات اجتماعية منها التأثير على التحصيل الدراسي (...).والخطير أكثر في المخدرات الجديدة، أن الطب لا يعرف كل تأثيراتها، وقد لا توجد علاجات استباقية لها، سيما أن تركيبتها تتغير يوما بعد آخر، إذ تتسابق شبكات التصنيع والترويج في هذا الصدد مع اجتهادات العلم والطب. بماذا يتميز التكفل العلاجي بمدمني المخدرات "الرخيصة" وإمكانية الإقلاع؟ الإدمان مرض مزمن، يحكمه عامل الانتكاس، وهو أخطر ما فيه، لأن التكفل الطبي بالإدمان، ليس كإجراء عملية جراحية، لأنه يتطلب أشهرا طويلة، وعلى مراحل، تشمل تدخلات نفسانية ومتابعة طبية، زيادة على التحدي الذي ذكرته سابقا، متمثلا في أنه كلما تم تقييد وتسجيل وإقرار بروتوكول طبي في العالم، إزاء علاج إدمان مخدر معين، تظهر أنواع جديدة، ما يطرح تحديا على مستوى التكوين المستمر.وعموما، على مستوى المغرب، سيما مركز معالجة الإدمان، بمستشفى الرازي بسلا، حققنا إلى حد الآن نتيجة جيدة، تتمثل في أن 60 في المائة من الحالات، لا تنتكس (تعاود الاستهلاك بعد الإقلاع) طيلة سنة كاملة، في حين أنه على مستوى العالم تم تسجيل 40 في المائة فقط من الحالات نجحت في الإقلاع لمدة سنة متواصلة. أجرى الحوار: امحمد خيي (*) أستاذ في الطب متخصص في الإدمان ومدير مستشفى الرازي للأمراض العقلية بسلا والمرصد الوطني للمخدرات والإدمان