أساليب ماكرة تتحايل بها الشركات على الضرائب

تلاعبات في إعداد الحالة المحاسباتية العامة وثغرات قانونية تساعد على التملص الضريبي اختلف المحللون والخبراء حول حدود تأثير الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم منذ 2008 على المغرب. تناسلت الأرقام والإحصائيات التي تؤكد مرض المقاولات والأنشطة التجارية المختلفة، بعد أن أصابتها عدوى الركود وأنهكت قدراتها، إلا قطاعات بعينها ظلت عصية على الأزمة، لارتباطها بحاجة ملحة لدى المقاولات. يتعلق الأمر بمكاتب الخدمات المحاسباتية والاستشارات الجبائية، التي تنتعش أنشطتها بشكل كبير مع بداية كل سنة، تاريخ إعداد الشركات لحصائلها المالية «البيلان»، والتصريح بها للإدارة الضريبية، وهي العملية التي تفرض على إدارات هذه الشركات الاستعانة بخدمات خاصة، تتجاوز كفاءة محاسبيها، لتقليص هامش المخاطر الخاصة بأي مراقبة أو مراجعة ضريبيتين، قد تترتب عنهما عقوبات، تكون في أغلب الأحيان قاسية، حسب حجم المقاولة. إعداد الحصيلة المالية عملية معقدة، تفترض كفاءة من نوع خاص، فكل خطأ من شأنه تهديد المستقبل المالي للمقاولة، عبر عقوبات وغرامات، لا تتورع الإدارة الجبائية في إسقاطها عن المخالفين. كما تشكل هذه العملية فرصة أيضا، لبعض المقاولات من أجل التخلص من أعبائها الضريبية، وتستعين لتحقيق هذه الغاية بكفاءات من نوع خاص، تستغل حيلا وثغرات في القوانين المؤطرة والممارسة التجارية للتملص من الالتزام الجبائي، وتقليصه في أحيان كثيرة، وهي الحالات التي يترصدها مراقبو الضرائب سنويا، ليظل السؤال مطروحا حول صور تحايل هذه الشركات على الإدارة الضريبية. إنجاز: بدر الدين عتيقي محور الرباط- البيضاء، نقطة تركز أنشطة التدقيق المحاسباتي والاستشارة الجبائية، إذ تستعين الشركات الكبرى بخدمات مكاتب خاصة عند إعداد حصائلها المالية السنوية، التي تلجأ بدورها إلى كفاءات خاصة تضمن ملاءمة الحسابات مع المتطلبات والشروط الضريبية. يتعلق الأمر في أغلب الأحيان بأطر سابقة في الإدارة العامة للضرائب، تفرغت للعمل في مجال الاستشارة، وتفوتر خدمات بأسعار قياسية للمقاولات التي تطلبها، وهي المبالغ التي تظل أقل من قيمة الغرامات التي يمكن أن تفرضها الإدارة الجبائية في حال ضبط أي مخالفة، يؤكد حسن، صاحب شركة لتصنيع الأحذية بالبيضاء، إلا أن هذه الغاية ليست محرك جميع المقاولين، إذ يلجأ بعضهم إلى خدمات استشارة من نوع خاص، تهم تقليص الأرباح ورفع النفقات، من أجل خفض العبء الضريبي، وهو الهدف الذي يمكن بلوغه عبر مجموعة من الحيل. وتنطلق عملية إعداد «البيلان» أو الحالة المحاسباتية العامة للشركة «état de synthèse comptabilité»، بلغة أهل الاختصاص، الذين يضمنون هذا المصطلح مجموعة من العمليات الفرعية، التي تدخل في إعداد الحصيلة المالية للشركات، التي يقل رقم معاملاتها عن عشرة ملايين درهم. يتعلق الأمر بـ»الحصيلة» وحساب المنتوجات والتكاليف «CPC»، وكذا حالة رصيد الاستغلال «ESG». أما الشركات التي يعادل رقم معاملاتها ويفوق المبلغ المذكور، فتضاف إلى جانب العناصر الحسابية السابقة ملحقات أخرى، في شكل جداول تابعة، من قبيل حالة المعطيات التكميلية «ETIC»، علما أن الحصيلة المالية السنوية للشركات، التي يتزامن إعدادها والتصريح بها للإدارة الضريبية خلال الفترة بين فاتح يناير ونهاية مارس، تهم الشركات المقيدة بتقديم حصيلتها خلال سنة مدنية « exercice année civile» بالمقابل، لا تخضع شركات أخرى تنتمي إلى قطاعات موسمية بهذا التاريخ، لترتبط بتاريخ موسمي « exercice a chevale». وبعد الانتهاء من إعداد الحصيلة المالية للشركة، تودع لدى المديرية الجهوية للإدارة العامة للضرائب، الموجود ضمن نفوذها الترابي المقر الاجتماعي للشركة، داخل الأجل المشار إليه، بالنسبة إلى الشركات المقيدة بسنة مدنية، تحت طائلة العقوبة بموجب القانون، والتي تصل إلى 15 % من المبلغ المستحق على الضريبة، علما أنه يفترض بالشركات ذات المسؤولية المحدودة «SARL»، التي يعادل رقم معاملاتها أو يفوق 50 مليون درهم قبل إيداع حصيلتها، تعيين مفوض حسابات خلال فترة إعدادها، يتكلف بالتدقيق في الحسابات وملاءمتها مع الشروط الضريبية. أما بالنسبة إلى الشركات مجهولة الاسم «SA»، فتعين مفوضا كيفما كانت قيمة رقم معاملاتها، في الوقت الذي يلزم القانون المؤسسات المالية من بنوك وشركات ائتمانية، بتعيين مفوضي حسابات، والأمر نفسه بالنسبة إلى الشركات المدرجة في البورصة. حيل التهرب تتعدد صور التهرب الضريبي التي تظهر أهميتها عند إعداد الحصيلة المالية للسنة، والتي تكون موضوع استشارة جبائية خاصة. يتعلق الأمر خصوصا بحيل معروفة يواجهها مراقبو الضرائب، تهم المبيعات غير المحتسبة ضمن النظام المحاسباتي للشركة، أي تلك التي تنجز عبر «النوار»، ذلك أنه يصعب تتبع السلع وتضريبها في حال اتفق البائع والمشتري على صيغة تجارية بدون فواتير، غير أن هذه الحيلة، تم تجاوزها أخيرا عبر حسابات خصوصية، إذ يعمد شريك بمقاولة إلى بيع سلع بدون فواتير، إلا أنه لا يودع مقابلها في الحساب الجاري للشركة، وإنما في حساب آخر تحت اسم «comptes courants d’associés créditeurs»، بغرض التهرب من تبريره عند المراقبة الضريبية، وهو الأمر الذي يحرم الدولة، حسب يونس بلقاسمي، مستشار مالي، من مداخيل مالية مهمة عن الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات. ويضيف بلقاسمي، أن هناك حيلة أخرى للتهرب من أداء الرسم المهني على الأصول الجامدة للشركة « immobilisation»، المدرجة في الدرجة الثانية ضمن الأصول «active»، عبر نقلها إلى الدرجة السادسة الخاصة بالمنتوجات والتكاليف، فيما تلجأ مقاولات أخرى للتهرب من أداء الضريبة على القيمة المضافة إلى إخفاء فواتير بيع بعض السلع المسوقة قبل نهاية السنة، ووضعها في الدرجة الرابعة الخاصة بالديون لدى الغير، علما أن هذه الحيلة يلجأ إليها في الأنشطة الخاضعة لهذه الضريبة، إلى جانب حيل أخرى لتضخيم النفقات وتقليص الأرباح، ترتبط باقتناء الفواتير من مصادر مجهولة لتبرير تكاليف إضافية. ويشير المستشار في الشؤون المالية، إلى حيل أخرى تلجأ إليها بعض الشركات عند إعداد حصيلتها المالية السنوية. يتعلق الأمر بتضخيم حجم المخزون المعين في الدرجة الثالثة ضمن الحصيلة، وذلك لتقليص حجم الأرباح ورفع النفقات، وإيهام مراقبي الضرائب بحصد الشركة لخسائر تجارية مهمة، وهو الأمر الذي يمكن التحقق منه من قبل المراقبين، عبر مقارنة أرباح الشركة مع أرباح نظيرتها في مجال النشاط نفسه، وكذا عبر الاستعانة بمعادلة محاسباتية على الشكل التالي، (المشتريات + المخزون المسجل مع بداية السنة – المبيعات = المخزون النهائي). قط وفأر بمجرد إيداع الشركة لحصيلتها المالية، ينخرط المراقبون في عملية تدقيق واسعة، يترتب عنها مراسلة إدارة الشركة لتسوية وضعيتها، عند الوقوف على خلل معين في الحسابات، أو الانتقال إلى الشركة لإجراء مراجعة، قد تشمل بناء على طلب المراقب الوثائق المحاسباتية للشركة عن أربع سنوات ماضية، إذ يدخل مراقبو الضرائب خلال هذه المرحلة مع المتلاعبين والمخالفين في لعبة قط وفأر، رغم الإمكانيات البشرية والتقنية المحدودة لإجراء المراقبة، في مواجهة كبر حجم المقاولات من جهة، وتعدد الوسائل التي تنتهجها للتهرب الضريبي من جهة ثانية. وبهذا الخصوص، كشف مصدر مهني، تسجيل أغلب حالات التهرب، عبر مقتنيات بواسطة فواتير وهمية، كما وردت الإشارة إلى ذلك سابقا، وكذا عبر خدمات غير موجودة، علما أن هذه الفواتير تكون صحيحة من الناحية القانونية، إلى جانب تقديم لائحة من المستخدمين الوهميين في الحصيلة المالية ضمن التكاليف، وتسجيل أجور ضخمة لمسيري الشركة، ما يشكل فائض قيمة جبائيا يمكن استرجاعه، وعادة ما تلجأ المقاولة في هذا الصدد إلى التشغيل الوهمي لأفراد العائلة، ما يجنبها المتابعة القانونية، وكذا التهرب عبر النفقات العامة، من خلال تضمين حسابات الشركة، نفقات وهمية لسيارات المسيرين ومساكنهم وتنقلاتهم. وتستغل بعض الشركات الثغرات القانونية، تحديدا غموض بعض النصوص، من أجل الغش الضريبي. يتعلق الأمر بالتهرب عبر المحاسبة، ذلك أن الإدارة الضريبية لا تمتلك إمكانية إعطاء الدليل على نقص الأرقام المصرح بها، بارتباط مع غموض المادة 213 من المدونة العامة للضرائب، التي تنص على أنه، «إذا شابت حسابات سنة محاسبية أو فترة لفرض الضريبة إخلالات جسيمة، من شأنها أن تشكك في قيمة الإثبات التي تكتسيها المحاسبة، جاز للإدارة أن تحدد أساس فرض الضريبة، باعتبار العناصر المتوفرة لديها». ورغم سرد هذه المادة لبعض الاختلالات، مثل الإخفاء والأخطاء، إلا أن ذلك لا يعد وسيلة في يد المراقب، يمكنه الاعتماد عليها، فهي صيغ تتميز بالغموض والعمومية، اللذين من شأنهما أن يؤديا إلى نزاعات بين الملزم والإدارة الجبائية. كما أن المتهرب قد يستفيد من هذه الوضعية ويتهم الإدارة بالتجاوز والتعسف، عن طريق القيام بتفسيرات مختلفة، والواقع يؤكد أن الإدارة ليست لها الإمكانيات لإعطاء الدليل على نقص الأرقام التي وقع الإقرار بها. التلاعب في فوترة هدايا "البوناني" مع تزامن فترة إعداد الحصيلة المالية السنوية، تتلاعب بعض الشركات في فوترة الهدايا الإشهارية، التي يكثر تداولها خلال بداية السنة الجديدة، باعتبارها هدايا «بوناني». يتعلق الأمر بحصر قيمتها في 100 درهم للوحدة، لضمان بقائها ضمن التكاليف القابلة للخصم، فيما يقيدها القانون (المدونة العامة للضرائب) بمجموعة من الشروط، إذ يجب أن تحمل إما العنوان التجاري للشركة أو اسمها أو شعارها، وإما علامة المنتوجات التي تصنعها أو تتاجر فيها، فيما تلجأ بعض الشركات إلى التهرب عن طريق الخصوم، إذ تدفع في هذه الحالة بعدم وجود قواعد دقيقة للتقدير لدى الإدارة الضريبية، فتخفض قيمة سلعتها بدون سبب، وبسعر يقل عن التكلفة، وهنا يتم وصف السلع بالمعيبة أو المتعذر بيعها، وهو ما لا ينسجم مع الواقع، في الوقت الذي تحدث شركات أخرى، احتياطيا خاصا بها، وتعتبر الديون المشكوك فيها، التي يمكن خصمها قانونا، مفقودة، بينما بإمكانها بوسائلها الخاصة استرجاعها كليا أو جزئيا. وأما التهرب عن طريق إعادة التقويم «Redressement»، فيمثل صورة أخرى من حيل التهرب الضريبي، إذ يتم عبر رفع قيمة الاندثار القابل للخصم من الربح الخاضع للضريبة، وهذا يكلف الخزينة مبالغ هامة، فأغلب الشركات تفضل كراء الأدوات التي تحتاجها، علما أن مبالغ الكراء قابلة للخصم، على اعتبار أنها مبالغ كراء وتحملات للاستغلال، وتظهر تداعيات هذا النوع من التهرب، من خلال الاستعانة بتقنية «الليزينغ»، إذ أن الشركات المتخصصة في تسويق هذه الخدمات، وهي شركات تتملك وتقتني سلعا تجهيزية وأدوات ومنقولات للاستعمال المهني، من أجل القيام بكرائها لشركات أو أشخاص آخرين، لتمنح امتيازات جبائية لهذه التقنية، ما يجعل منها وسيلة للتهرب من الضريبة على الشركات. 35 مليون درهم إعفاءات ضريبية في ظل غياب أرقام حول قيمة الفاتورة التي تؤديها الخزينة العامة عن ممارسات التملص والغش الضريبيين، يرى عبد القادر برادة، أستاذ باحث في المالية العمومية، في النفقات الجبائية صورة من صور الهدر الضريبي، وبالتالي فنزيف الخزينة يقدر بحوالي 35 مليون درهم، في شكل إعفاءات وتخفيضات واستثناءات ضريبية، إلى جانب الضرائب غير المحصلة عن القطاع غير المهيكل، إلا أن هذا المبلغ الذي يمثل حوالي ثلث الموارد الجبائية، لا يعكس القيمة الحقيقية لما تخسره الدول من التهرب الضريبي، بالنظر إلى عدم احتساب قيمة تكاليف التحويل "Prix de Transfert» بالنسبة إلى الشركات متعددة الجنسيات، في ظل غياب ضريبة حول الثروة والدخل بمفهومها الحقيقي. ويفرق برادة بين مصطلح الغش الضريبي " la fraude fiscale»، الذي يكون ثابتا في حال عدم الإدلاء بالمداخيل والأرباح الحقيقية لدى المصالح المكلفة بمراقبة وتحصيل الضرائب، من أجل الامتناع عن أداء الواجبات الضريبية بطريقة مخالفة للقانون، وبين التملص، أو التهرب الضريبي «l’evasion fiscale»، ويكون عندما يعمد الملزم، بشكل احتيالي، إلى استغلال الثغرات التي توجد بالمنظومة الجبائية، من أجل عدم الوفاء بالتزاماته الضريبية.

أساليب ماكرة تتحايل بها الشركات على الضرائب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بكوري يحذر من انعدام الثقة داخل الجهة

نادية وحكاية أليمة مع النوبات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات